(وكل ما سوى الله عالم وأنا واحد من ذلك العالم)
عالم: جمع عوالم , وعالمون , فالوجود قسمان: رب , ومربوب
فالرب: هو المالك سبحانه المتفرد بالربوبية , والإلهية.
والمربوب: هو العالم , وهو كل من سوى الله من جميع الخلائق.
وأنا أيها الإنسان واحد من جملة تلك المخلوقات المربوبة المتعبدة , بأن يكون الله وحده هو معبودها وحده.
م / (فإذا قيل لك بم عرفت ربك؟ فقل بآياته ومخلوقاته، ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر. قال تعالى: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر} ومن مخلوقاته السموات السبع والأرضون السبع، وما فيهن وما بينهما. قال تعالى: {إن ربكم الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام} ) .
أي: فإذا قال لك قائل: بم استدللت به على معرفتك معبودك وخالقك؟
فقل: بآياته ومخلوقاته التي نصبها دلالة على وحدانيته وتفرده بالربوبية والإلهية.
والآيات: جمع آية، والآية: العلامة والدلالة والبرهان والحجة.
والمخلوقات: جمع مخلوق، وهو ما أوجد بعد العدم.
وآيات الرب سبحانه هي: دلالاته وبراهينه التي بها يعرفه العباد، ويعرفون أسماءه وصفاته، وتوحيده وأمره ونهيه.
قال الشاعر: ...
فواعجباً كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكة وفي ... كل تسكينة أبداً شاهد
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
فآيات الله كثيرة , ومخلوقاته عظيمة، كلها تدل على أنه الرب العظيم، وأنه الخلاق العليم وأنه المستحق لأن يعبد، وأنه الذي يخلق ما يشاء، ويعطي ويمنع وينفع ويضر، بيده كل شيء سبحانه وتعالى، فهو المستحق بأن نعبده بطاعته ودعائه.
(ومن آياته الليل والنهار)
أي في اختلافهما، هذا يجيء ثم يذهب ويخلفه الآخر ويعقبه ولا يتأخر عنه لحظة، كما قال تعالى: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} .
وتارة يطول هذا ويقصر هذا، وتارة يأخذ هذا من هذا ثم يتعاوضان، كما قال تعالى: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} أي يزيد من هذا في هذا ومن هذا في هذا.
قال الشيخ السعدي (1/ 125) في قوله تعالى: {واختلاف الليل والنهار} :
(وهو تعاقبهما على الدوام إذا ذهب أحدهما خلفه الآخر، وفي اختلافهما في الحر، والبرد، والتوسط، وفي الطول والقصر وما ينشأ عن ذلك من الفصول التي بها انتظام مصالح بني آدم وحيواناتهم وجميع ما على وجه الأرض من أشجار ونباتات، وكل ذلك بانتظام وتدبير وتسخير تنبهر له العقول وتعجز عن إدراكه من الرجال الفحول ما يدل ذلك على قدرة مصرفها وعلمه وحكمته ورحمته وعظمته وعظمة ملكه وسلطانه، مما يوجب أن يؤلّه ويعبد ويفرد بالمحبة والتعظيم والخوف والرجاء وبذل الجهد في محابه ومراضيه) أ. هـ
{ومن آياته الشمس والقمر}
الشمس ونورها وإشراقها، والقمر وضياؤه وتقدير منازله في ملكه واختلاف سيره في سمائه
ليعرف باختلاف سيره، وسير الشمس مقادير الليل والنهار والجمع والشهور والأعوام، ويتبين بذلك حلول الحقوق وأوقات العبادات والمعاملات وكونهما يجريان هذا الجريان المتقن، قال تعالى: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون} كل هذا يدل على وحدانية موجبها تعالى وتقدس.
ولما كان الشمس والقمر أسن الأجرام المشاهدة في العالم العلوي والسفلي نبه تعالى على أنهما مخلوقان عبدان من عبيده تحت قهره وتسخيره.