والدعوة إلى الله تحتاج إلى صبر. ذلك أن أصحاب الدعوة إلى الله يطلبون إلى الناس أن يتحرروا من أهوائهم وأوهامهم ومألوفاتهم، ويثوروا على شهوات أنفسهم، ومعبودات آبائهم، وعادات أقوامهم، وامتيازات طبقاتهم، وينزلوا عن بعض ما يملكون إلى إخوانهم، ويقفوا عند حدود الله فيما أمر ونهى، وأحل وحرم، وأكثر الناس لا يؤمنون بهذه الدعوة الجديدة، فلهذا يقاومونها بكل قوة، ويحاربون دعاتها بكل سلاح، مدلين بأنهم أكثر مالاً وأعز نفراً، وأقوى نفوذاً، وأوسع سلطاناً.
فليس أمام دعاة الحق إلا أن يعتصموا باليقين، ويتسلحوا بالصبر في وجه القوة الضاربة، فالصبر هنا كما قال علي - رضي الله عنه: (سيف لا ينبو، ومطية لا تكبو، وضياء لا يخبو) .
قال ابن القيم: (هو خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يحمل ـ وهو قوة من قوى النفس التي بها صلاح شأنها وقوام أمرها) .
لقد ذكر الله الصبر في كتابه العزيز في مواضع كثيرة ومناسبات عديدة، وما ذاك إلا لفضله وعظمته وثمرته.
وقد نقل العلامة ابن القيم في مدارج السالكين عن الإمام أحمد: (الصبر في القرآن في نحو تسعين موضع) .
قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} .
قال ابن كثير: (يقول الله تعالى آمراً عبيده فيم يؤملون من خير الدنيا والآخرة بالاستعانة بالصبر والصلاة) .
وقال تعالى: {فاصبر إن وعد الله حق} .
أي اصبر على مخالفتهم وعنادهم فإن الله تعالى منجز لك ما وعدك من نصرة إياك عليهم.
وقال تعالى: {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل} .
ويقول تعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً} .
فالله سبحانه وتعالى يرشدهم إلى السلامة من شر الأشرار وكيد الفجار باستعمال الصبر والتقوى والتوكل.
ويقول تعالى: {ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا}
وقال تعالى: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون} .
قال سفيان: (بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين) .
1 ـ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يصب منه) .
2 ـ وعن أبي مالك الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( ... والصبر ضياءً) . رواه مسلم.
3 ـ وقال النبي - صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر) .
... رواه مسلم، وأحمد عن ابن عباس.
4 ـ وعن صهيب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سرّاء شكر فكان خيراً له) . رواه مسلم.
5 ـ وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى الله أحداً عطاءً هو خير وأوسع من الصبر) . متفق عليه.
1 ـ تتمثل في إعراض الخلق عن الداعية.
رأينا ذلك مع نوح - عليه السلام - حيث قال مناجياً ربه: {رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً} .
2 ـ وتتمثل متاعب الدعوة في أذى الناس بالقول والفعل.
قال تعالى: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور} .