فلما كمل له أربعون , أشرق عليه نور النبوة , وأكرمه الله تعالى برسالته , وبعثه إلى خلقه , ولا خلاف في أن مبعثه - صلى الله عليه وسلم - كان يوم الاثنين، واختلف في شهر المبعث:
فقيل في ربيع الأول , وهذا مذهب طائفة كبيرة من العلماء.
وقيل بل كان ذلك في رمضان , واحتج هؤلاء بقوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} , واختار هذا القول بجي الصرصري.
(نبئ بإقرأ) أي كان نبياً حين نزل عليه قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق , خلق الإنسان من علق , اقرأ وربك الأكرم , الذي علم بالقلم ... } حيث جاءه الملك وهو في غار حراء , وكان يحب الخلوة فيه.
(وأرسل بالمدثر) أي صار رسولاً حين نزل عليه قوله تعالى: {يا أيها المدثر , قم فأنذر , وربك فكبر , وثيابك فطهر , والرجز فاهجر ... } فقام - عليه السلام - فأنذر وقام بأمر الله.
# بلده مكة:
أي ولد بها ونشأ فيها إلا ما كان منه وهو مع مرضعته السعدية في البرية , ثم رجع إليها في حضانة جده , ثم عمه , وأوحي إليه بها , وبقي بها ثلاث عشرة سنة بعد أن أوحي إليه.
# وهاجر إلى المدينة:
لما قررت قريش قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - نزل جبريل إليه بوحي ربه تبارك وتعالى , فأخبره بمؤامرة قريش , وأن الله قد أذن له في الخروج.
قال ابن القيم في زاد المعاد (1/ 101) :
(ثم أذن الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة , فخرج من مكة يوم الاثنين في شهر ربيع الأول , وقيل في صفر , وله إذ ذاك ثلاث وخمسون سنة , ومعه أبو بكر الصديق , وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر , ودليلهم عبد الله بن الأريقط الليثي , فدخل غار ثور هو وأبو بكر , فأقام فيه ثلاثاً , ثم أخذ على طريق الساحل , فلما انتهوا إلى المدينة ... ) . أ. هـ
وتوفي - عليه السلام - يوم الاثنين /12/ربيع الأول/11 هـ , وقد تم له ثلاث وستون سنة , وذلك بعد أن تكاملت الدعوة , وسيطر الإسلام على الموقف.
م /(بعثه الله بالنذارة عن الشرك , ويدعو إلى التوحيد , والدليل قوله تعالى: {يا أيها المدثر , قم فأنذر , وربك فكبر , وثيابك فطهر , والجز فاهجر , ولا تمنن تستكثر , ولربك فاصبر} ومعنى: {قم فأنذر} ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد {وربك فكبر} أي عظمه بالتوحيد {وثيابك فطهر} أي طهر أعمالك عن الشرك {والرجز فاهجر} الرجز: الأصنام , وهجرها تركها.
أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد) .
ذكر المصنف رحمه الله جملة مما يعرف به النبي - صلى الله عليه وسلم - , وأعظمها وأعلاها: معرفة ما بعث به النبي - صلى الله عليه وسلم - , وأنه بعث بالنذارة عن الشرك , والدعوة إلى التوحيد.
وقدم المصنف النذارة عن الشرك قبل الدعوة إلى التوحيد لأن هذا مدلول كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ، ولأن الآية الآتية تقتضي ذلك , فبدأ بجانب التوحيد لكون العبادة لا تصح مع وجود المنافي , فلو وجدت والمنافي لها موجود لم تصح , ثم ثنى بالتوحيد , لأنه أوجب الواجبات , ولا يرفع عمل إلا به.
وقوله {يا أيها المدثر ... } هذه أول آية أرسل بها , وأول أمر طرق سمعه في حال إرساله - صلى الله عليه وسلم - وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - لما رأى الملك الذي جاءه بحراء حين أنزل عليه (اقرأ) رعب منه، فأتى أهله فقال: (دثروني) فأنزل الله {يا أيها المدثر} أي المدثر بثيابه , المستغشي بها من الرعب الذي حصل له من رزية الملك عند نزول الوحي , {قم} أي من دثارك , فأنذرهم وحذرهم من عذاب ربك إن لم يؤمنوا , وبهذا حصل الإرسال كما حصل بالأول النبوة.
{وربك فكبر} أي عظم ربك عما يقوله عبدة الأوثان.
{وثيابك فطهر} أي نفسك طهرها عن الذنوب , كنى النفس بالثوب لأنها تشتمل عليه، وهذا قول المحققين من أهل التفسير.
{والرجز فاهجر} أي اترك الأوثان ولا تقربها.