وإنما قال (هذه هي الأصول الثلاثة التي يجب على الإنسان معرفتها) ، لأنها هي الأصول التي يُسأل عنها المرء في قبره إذا دفن وتولى عنه أصحابه كما ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة.
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم:(إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد - صلى الله عليه وسلم -؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: أنظر إلى مقعدك من
النار قد أبدلك الله تعالى به مقعداً من الجنة فيراهما جميعاً، وأما المنافق والكافر فيقال له:
ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين). رواه البخاري
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (إذا قبر الميت ـ أو قال أحدكم ـ أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما المنكر، وللآخر النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول فيه: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال له: نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقاً قال: سمعت الناس يقولون قولاً فقلت مثله: لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض: التئمي عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك) . رواه الترمذي
(فإذا قيل لك من ربك) أي: من خالقك ورازقك ومعبودك الذي ليس لك معبود سواه.
(فقل ربي الله الذي رباني وربى جميع العالمين، قال تعالى: {الحمد لله رب العالمين} )
أي ربي الله، والتربية عبارة عن الرعاية التي يكون بها تقويم المربي، فالله عز وجل هو الذي رباني ورعاني وأمدني بالنعم كما أنه رب جميع العالمين.
والعالَمين: جمع عالَمْ، وهو كل موجود سوى الله عز وجل.
وقال الزجاج: العالم كل ما خلق الله في الدنيا والآخرة.
قال القرطبي: وهذا هو الصحيح أنه شامل لكل العالمين كقوله تعالى: {قال فرعون وما رب العالمين، قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم مؤمنين} .
قال الشيخ السعدي رحمه الله: ( {رب العالمين} الرب: هو المربي جميع العالمين، وهم من سوى الله، بخلقه إياهم وإعداده لهم الآلات وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة التي لو فقدوها لم يكن لهم البقاء، فما بهم من نعمة فمنه تعالى) . أ. هـ
قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} فلله نعمة الإيجاد، ونعمة التغذية، وسائر نعمه الظاهرة والباطنة. قال تعالى: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً} أي: مضى عليه زمن طويل من العصور والدهور لم يكن فيها شيئاً مذكوراً، أي موجوداً، بل معدوماً، وإنما أوجده الله من العدم، ورزقه النعم ليعبده وحده.
وتربية الله لخلقه نوعان: عامة وخاصة
فالعامة: هي خلقه للمخلوقين، ورزقهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
والخاصة: تربية لأوليائه , فيربيهم بالإيمان ويوفقهم له , ويكملهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه.
وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير , والعصمة من كل شر , ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب.
(هو معبودي ليس لي معبود سواه) أي وهو الذي أعبده وأتذلل له خضوعاً، ومحبةً وتعظيماً , أفعل ما يأمرني به , وأترك ما ينهاني عنه فليس لي أحد أعبده سوى الله تعالى.
قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} .
وقال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ... } .