أي وكل مرتبة من مراتب الدين الثلاث لها أركان لا تقوم إلا عليها، وأركان الشيء أجزاؤه في الوجود التي لا يحصل إلا بحصولها، وداخلة في حقيقته، سميت بذلك: تشبيهاً لها بأركان البيت الذي لا يقوم إلا بها، فمراتب الدين لا تتم إلا بأركانها.
وفي الاصطلاح: عبارة عن جزء الماهية.
قوله (فأركان الإسلام خمسة)
دليل ذلك حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) . متفق عليه
والمراد من الحديث:
أن الإسلام مبني على هذه الخمس، فهي كالأركان والدعائم لبنيانه، والمقصود تمثيل الإسلام ببنيانه، ودعائم البنيان هذه الخمس، فلا يثبت البنيان بدونها، وبقية خصال الإيمان كتتمة البنيان، فإذا فقد منها شيء نقص البنيان وهو قائم لا ينقص بنقص ذلك، بخلاف نقص هذه الدعائم الخمس فإن الإسلام يزول بفقدها جميعها بغير إشكال.
وهذه الأركان قدمها على حسب الأهمية، فبدأ بقطبها: شهادة أن لا إله إلا الله، ثم ثنى بشهادة أن محمداً رسول الله، وكثيراً ما تقرن بها، ثم إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام.
فهذه مباني الإسلام التي ابتني وتركب منها. (وتأتي أدلتها)
وكل خصلة من خصال الإسلام داخلة في الإيمان، فما كان من الأعمال الباطنة فوصف الإيمان عليه أغلب من وصف الإسلام، وما كان من الأعمال الدينية الظاهرة كالشهادتين والصلاة وأنواع العبادات التي تظهر ويطلع عليها الناس، فوصف الإسلام عليها أغلب من وصف الإيمان، فدائرة الإسلام أوسع من دائرة الإيمان، كما أن دائرة الإيمان أوسع من دائرة الإحسان.
م /(فدليل الشهادة قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}
ومعناها: لا معبود بحق إلا الله، [لا إله] نافياً جميع ما يعبد من دون الله. [إلا الله] مثبتاً العبادة لله وحده لا شريك له في عبادته، كما أنه لا شريك له في ملكه.
وتفسيرها الذي يوضحها قوله تعالى: {وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون، إلا الذي فطرني فإنه سيهدين، وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون} ) .
هذا شروع من المؤلف في بيان أدلة أركان الإسلام الخمسة.
والشهادة: خبر قاطع، وأطلق المؤلف لفظ الشهادة على شهادة أن لا إله إلا الله لأنها أعظم شهادة في الوجود على أعظم مشهود به، فلا ينصرف الإطلاق إلا إليها.
ودليلها قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط ... } .
قال ابن كثير: (شهد تعالى وكفى به شهيداً، وهو أصدق الشاهدين وأعدلهم وأصدق القائلين {أنه لا إله إلا هو} أي المنفرد بالإلهية لجميع الخلائق، وأن الجميع عبيده وخلقه وفقراء إليه، وهو الغني عما سواه ... ثم قرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته ... ) .
ومعنى: (لا إله إلا الله) أي لا معبود بحق إلا الله , أي أن يعترف الإنسان بقلبه ولسانه بأنه لا معبود بحق إلا الله.
هذا هو المعنى الصحيح لهذه الكلمة.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله رداً على من قال أن معناها (لا إله في الوجود إلا الله) قال: (هذا ليس بصحيح , لأن الآلهة المعبودة من دون الله كثيرة وموجودة وتقدير الخبر بلفظ(الوجود) لا يحصل به المقصود من بيان أحقية ألوهية الله سبحانه وبطلان ما سواها , لأن القائل يقول: كيف تقولون (لا إله في الوجود إلا الله) وقد أخبر الله سبحانه عن وجود آلهة كثيرة للمشركين كما في قوله سبحانه: {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء} وقوله سبحانه: فلولا نصرهم الذين اتخذوا من