استدل البخاري رحمه الله بهذه الآية على وجوب البداءة بالعلم قبل القول والعمل ـ فترجم لذلك ـ وذلك أن الله أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بأمرين: بالعلم ثم العمل.
والمبدوء به العلم في قوله: {واستغفر لذنبك} فدل على أن مرتبة العلم مقدمة على مرتبة العمل، وهذا دليل أثري وهناك دليل عقلي نظري يدل على أن العلم قبل القول والعمل، وذلك لأن القول أو العمل لا يكون صحيحاً مقبولاً حتى يكون على وفق الشريعة، ولا يمكن أن يعلم الإنسان أن عمله على وفق الشريعة إلا بالعلم.
قال الشاعر:
وكل من بغير علم يعمل ... أعماله مردودة لا تقبل
وقال ابن حجر ـ رحمه الله ـ في قوله تعالى {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} : (قال ابن المنير: أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به فهو متقدم عليهما لأنه مصحح للنية المصححة للعمل، فنبه المصنف على ذلك حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم:(وإن العلم لا ينفع إلا بالعمل) تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه). الفتح ج 1 ص 160.
وسئل سفيان عن فضل العلم فقال: (ألم تسمع قوله تعالى حين بدأ به فقال: {فاعلم أنه لا إله إلا الله} ثم أمره بالعمل بعد ذلك فقال: {واستغفر لذنبك وللمؤمنين} ، وفي شهادة أن لا إله إلا الله لا يغفر إلا بها من قالها غفر له) .
م / (واعلمْ رحمَكَ اللهُ أَنَََََََّهُ يجبُ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ تعلّمُ ثلاث هذهِ المسائلِ والعملُ بهِنّ) .
هذه المسائل الثلاث من أهم المسائل التي تتعلق بالتوحيد وحقوقه، فيجب على كل مكلف من ذكر وأنثى وحر وعبد أن يتعلمهن ويعتقد معانيهن والعمل بمدلولهن فإن العمل هو ثمرة العلم.
م / (الأولى/ أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً بل أرسل إلينا رسولاً فمن أطاعه دخل الجنة ومن عصاه دخل النار، والدليل قوله تعالى: {إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذاً وبيلاً} ) .
قال تعالى: {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض} .
فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله.
قال تعالى: {هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون} .
وقال تعالى: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم} .
وقال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون} .
وقال تعالى: {ومن آياته أن خلقكم من تراب ثم أنتم بشر تنتشرون} .
وقال تعالى: {وخلق الإنسان من صلصال كالفخار} .
وقال تعالى: {الله خالق كل شيء} .
وقال تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} .
وقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} .
وأما الدليل العقلي على أن الله خلقنا:
فقد جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} .
فإن الإنسان لم يخلق نفسه، لأنه قبل وجوده عدم، والعدم ليس بشيء، وما ليس بشيء لا يوجد شيئاً، ولم يخلقه أبوه ولا أمه ولا أحد من الخلق، ولم يكن ليأتي صدفة بدون موجد، لأن كل حادث لا بد له من محدث، ولأن وجود هذه المخلوقات على هذا النظام البديع والتناسق المتآلف يمنع منعاً باتاً أن يكون صدفة إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظماً حال بقائه وتطوره.