عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية) . متفق عليه
جاء في تحفة الأحوذي (5/ 214) وغيره: (لا هجرة بعد الفتح) أي فتح مكة.
قال الخطابي: (كانت الهجرة فرضاً على من أسلم) .
م / (والدليل على الهجرة من السنة قوله - صلى الله عليه وسلم:"لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها") .
فإذا طلعت الشمس من مغربها فهو أوان قيام الساعة , وهي أقرب علاماتها , وإذا طلعت لم تقبل توبة، قال تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها} والمراد ببعض الآيات هنا طلوع الشمس من مغربها.
فدل على أنها تقبل قبل طلوع الشمس من مغربها , وما دامت تقبل التوبة فلا تنقطع الهجرة.
وفي الحديث: (أنا بريء من مسلم بات بين ظهراني المشركين) . رواه الترمذي
وقال - صلى الله عليه وسلم: (الهجرة باقية ما قوتل العدو) .
م / (فلما استقر بالمدينة أُمر ببقية شرائع الإسلام، مثل: الزكاة , والصوم , والحج والجهاد , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .
أي لما هاجر من مكة إلى المدينة , واستقر بها , وفشا التوحيد ودان به أولئك وأقاموا , أمر ببقية شرائع الإسلام التي تعبّد الله به خلقه، إذ عامة شرائع الإسلام لم تشرع إلا في المدينة.
# أما الصيام:
فقال ابن القيم في زاد المعاد (2/ 3) :
(وكان فرضه ـ أي الصيام ـ في السنة الثانية من الهجرة، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد صام تسع رمضانات) .
# وأما الزكاة:
فظاهر كلام المؤلف أن الزكاة فرضت أصلاً وتفصيلاً في المدينة.
وذهب بعض العلماء إلى أن الزكاة فرضت أولاً في مكة، لكنها لم تقدر أنصابها ولم يقدر الواجب فيها , وفي المدينة قدرت الأنصاب وقدر الواجب.
واستدل هؤلاء بأنه جاءت آيات توجب الزكاة في سور مكية , مثل قوله تعالى في سورة الأنعام: {وآتوا حقه يوم حصاده} ، وقوله تعالى: {والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم} .
# وأما الحج:
فقد فرض في السنة التاسعة من الهجرة على الراجح.
قال ابن القيم في زاد المعاد (2/ 101) :
ولما نزل فرض الحج , بادر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الحج من غير تأخير , فإن فرض الحج تأخر إلى سنة تسع أو عشر , وأما قوله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} فإنها وإن نزلت سنة ست عام الحديبية , فليس فيها فرضية الحج , وإنما فيها الأمر بإتمامه وإتمام العمرة بعد الشروع فيهما , وذلك لا يقتضي الوجوب).
م / (أخذ على هذا عشر سنين , وبعدها توفي - صلى الله عليه وسلم -، ودينه باق , وهذا دينه لا خير إلا دل الأمة عليه ولا شر إلا حذرها منه , والخير الذي دل عليه: التوحيد وجميع ما يحبه الله ويرضاه , والشر الذي حذر منه: الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه، وأكمل الله به الدين، قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} )
(أخذ) أي النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(عشر سنين) بعد هجرته - صلى الله عليه وسلم -، توحى إليه الشرائع، أركانها وواجباتها ومستحباتها وما ينافي ذلك.
(وبعدها توفي - صلى الله عليه وسلم -) لما تكاملت الدعوة , وسيطر الإسلام على الموقف , أخذت طلائع التوديع للحياة والأحياء من مشاعره - صلى الله عليه وسلم - , وتتضح بعباراته وأفعاله.