قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}
(وسيأتي تفاصيل هذا في الأصل الثالث من الأصول الثلاثة) .
الإسلام: بالمعنى العام هو التعبد لله بما شرع منذ أن أرسل الله الرسل إلى أن تقوم الساعة كما ذكر الله ذلك في آيات كثيرة تدل على أن الشرائع السابقة كلها إسلام لله عز وجل.
قال تعالى عن إبراهيم: {ربنا وجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك} .
والإسلام: بالمعنى الخاص بعد بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - يختص بما بعث به محمد - صلى الله عليه وسلم -، لأن ما بعث به النبي - صلى الله عليه وسلم - نسخ جميع الأديان السابقة، فصار من اتبعه مسلماً ومن خالفه ليس بمسلم.
وهذا الدين الإسلامي هو الدين المقبول عند الله.
قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} .
وهذا الإسلام هو الدين الذي امتن الله به على محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته.
قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} .
أي معرفة دين الإسلام الذي تعبد الله الخلق به بالأدلة من الكتاب والسنة.
والأدلة: جمع دليل، والدليل هو: ما يوصل به إلى المطلوب.
وفيه إشارة إلى أنه لا يصلح فيه التقليد.
والتقليد هو: اتباع من ليس قوله حجة. ليخرج بذلك اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - فليس تقليداً أنه اتباع للحجة وكذا اتباع أهل الإجماع لأن الإجماع حجه 0
قال أبو عمر بن عبد البر وغيره: أجمع الناس على أن المقلد ليس معدوداً من أهل العلم، وأن معرفة الحق بدليله.
قال ابن القيم: وهذا كما قال أبو عمر فإن الناس لا يختلفون في أن العلم هو المعرفة الحاصلة عن دليل، وأما بدون الدليل فإنما هو تقليد 0
فالعمل هو: ثمرة العلم، والعلم مقصود لغيره بمنزلة الشجرة، فلا بد مع العلم بدين الإسلام من العمل به، فإن الذي معه علم ولا يعمل به شر من الجاهل.
واعلم أنه لا خير في علم لا يقترن بعمل مخلص متابع الرسول - صلى الله عليه وسلم - في عباداته ومعاملاته وأخلاقه وسائر شئون حياته، وذلك بأن يؤدى حق وحق العبيد.
واعلم أن العلم إن وجد لنفسه داراً مكث وإلا رحل عنك، ودار العلم العمل، والعلم لا يثبت إلا بالعمل.
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه: {هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل} ـ ذكره الخطيب.
وقال بعض السلف: {من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم} .
ولذلك كان علماء السلف في الماضي والحاضر هم القمة، لأنهم عملوا بما علموا في كل وقت ومكان في الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة في العبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك.
كان السلف - رضي الله عنهم - يتعلمون خمس أو عشر آيات ويعملون بمقتضاها ثم يحفظون غيرها.
وقد ألف الخطيب البغدادي رسالة لطيفة سماها: (العلم يقتضي العمل، فحذار أن تتشبه باليهود والنصارى، فاليهود يعلمون ولا يعملون، والنصارى يعملون بلا علم، فاليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (من انحرف من العلماء من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - ولم يعمل بعلمه ففيه شبه من اليهود، ومن انحرف من العباد وعبد الله على جهل ففيه شبه من النصارى) .
والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه وعن علمه ماذا عمل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، ... ) . رواه الترمذي
فاحذر يا أخي أن تكون قدوة سيئة بتركك للعمل، فهذا ابن القيم يعتصر قلبه حزناً من ظاهرة التناقض فيقول في كتابه الفوائد: (علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون الناس إليها بأقوالهم ويدعون إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت أفواههم للناس هلموا، قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم فلو كان ما دعوا إليه حقاً كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أدلاء وفي الحقيقة قطاع طرق) .