فهرس الكتاب
الصفحة 9 من 46

3 ـ وتتمثل مشاق الدعوة كذلك في طول الطريق واستبطاء النصر.

فقد جعل الله العاقبة للمتقين، وكتب النصر لدعاة الحق من رسله وأتباعهم وورثتهم المؤمنين، ولكن هذا النصر لا يتحقق بين عشية وضحاها ولا تشرق شمسه إلا بعد ليل طويل.

يقول تعالى: {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين} .

وإنما كانت المحن ضرورة لأهل الإيمان لجملة معان وحكم نبه عليها القرآن:

1 ـ تطهير الصف المؤمن من أدعياء الإيمان من المنافقين والذين في قلوبهم مرض.

قال تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب} .

2 ـ تربية المؤمنين وصقل معادنهم وتمحيص ما في قلوبهم.

قال تعالى: {وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين} .

3 ـ زيادة رصيدهم ومقامهم عند الله، فهو يرفع درجاتهم ويضاعف حسناتهم.

قال النبي - صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمن من هم ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) . رواه البخاري.

م / (والدليل قوله تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} ) .

أي الدليل على هذه المراتب الأربع قوله تعالى: {والعصر} .

فأقسم الله عز وجل في هذه السورة بالعصر الذي هو الدهر، وهو محل الحوادث من خير وشر، فأقسم تعالى به على أن الإنسان لفي خسر، أي في خسارة وهلاك {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات} فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران الذين آمنوا بقلوبهم وعملوا الصالحات بجوارحهم {وتواصوا بالحق} وهو أداء الطاعات وترك المحرمات {وتواصوا بالصبر} أي على المصائب والأقدار وأذى من يؤذي ممن يأمرونه بالمعروف وينهونه عن المنكر.

ففي هذه السورة الكريمة: التنبيه على أن جنس الإنسان كله في خسارة إلا من استثنى الله وهو من كمال قوته العلمية بالإيمان بالله، وقوته العملية بالطاعات، فهذا كماله في نفسه ثم كمل غيره بوصيته له في ذلك، وأمره به وبملاك ذلك، وهو الصبر، وهذا غاية الكمال ومعنى ذلك في القرآن كثير.

قال ابن القيم:(جهاد النفس أربع مراتب:

أحدها / أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق، الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها شقيت في الدارين.

الثانية / أن يجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.

الثالثة / أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه.

الرابعة / أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق). أ. هـ

قال الشافعي: (لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم) . أ. هـ

ومراده رحمه الله: أن هذه السورة كافية للخلق في الحث على التمسك بدين الله بالإيمان والعمل الصالح والدعوة إلى الله والصبر على ذلك، وليس مراده أن هذه السورة كافية للخلق في جميع الشريعة.

وقول الشافعي: (لو ما أنزل الله على خلقه ... ) لماذا؟

لأن العاقل البصير إذا سمع هذه السورة أو قرأها فلا بد أن يسعى إلى تخليص نفسه من الخسران، وذلك باتصافه بهذه الصفات الأربع: الإيمان ـ العمل الصالح ـ التواصي بالحق ـ التواصي بالصبر.

قال شيخ الإسلام: (وهو كما قال ـ أي الشافعي ـ فإن الله أخبر أن جميع الناس خاسرون إلا من كان في نفسه مؤمناً صالحاً، ومع غيره موصياً بالحق موصياً بالصبر) . أ. هـ

م / (وقال البخاري ـ رحمه الله ـ: بابٌ العلمُ قبل القول والعمل، والدليل قوله تعالى: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} فبدأ بالعلم قبل القول والعمل) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام