فهرس الكتاب
الصفحة 60 من 224

يجوز لنا أن نفتي (أو أن يفتي العالم) بكتابٍ من كتب العلم المشهورة التي وجدها، ولم يسمعها من شيخ؟ العزبن عبدالسلام رحمه الله يقول: «ما طاب لي الفتوي، حتّى إقتتنيت كتاب"المحلى""لابن حزم .. » . [1] "

إقتناه، ما سمعه من شيخ، بل ابن حزم، لم يكن حياً في ذلك الوقت، وكتبه قد احترقت أمام عينيه في حياته [2] ، فاشترى ابن عبدالسلام هذا الكتاب فقرأه وصار تطب نفسه بالفتيا، بأن يقرأ من هذا الكتاب .. ، إذن بعض الناس يجعل الغاية وسلية، ويجعل الوسيلة غاية .. ، القصد العلم، فإذا تعلم الرجل العلم بأي وسيلة من وسائل التعلم، كالوجادة، كالقراءة من الكتب، أو السماع من شيخ، أو السماع من شريط، فهذا لا يضر، القصد أنه تحصل العلم .. - بلا شك أن الأوائل كانوا يهتمون بالشيوخ لأسباب نحن محتاجين لها في هذا الزمان لكن ليست على درجة الأوائل في احتّياجهم إليها، .. لماذا كان الأوائل يحتاجون الشيوخ اكثر من حاجتنا نحن اليوم؟ لقلة الكتب أولاً، ثانياً: لأن الكتب لم تكن مضبوطة بمثل هذا الضبط اليوم ..

الآن لو أن أي واحد في هذا الزمان، أخرج كتاباً وقال هذا كتابٌ للترمذي، كتاب نَسَبه للإمام الترمذي وأخرجه للمطابع، هل الناس يثقون به بدون طرق صحيحة لوجادة هذا الكتاب؟ لا، بل يردون عليه ويسفِّهون رأيه ويدَّعون أنه كاذب، ..

لكن في ذلك الوقت وعند الأوائل، لإتصال الرقوعة الإسلامية، ولبعض الإتصال بينهم - أي الإتصال في السند والشيوخ - ممكن لواحد أن يأتي ويؤلف كتاباً ويكتبه ثم يقول هذا كتاب للإمام الترمذي ويصدقه الناس .. ، فكان لابدّ من ضرورة سلسلة الشيوخ ولذلك إعتبر الإمام ابن كثير - عليه رحمة الله - أن القراءة على الشيخ الآن للكتاب هي لأجل البركة، ولأن أصول الكتب عندهم قد إستقرت، فيجوز لأي أحد أن يأخذ هذا الكتاب ..

فاعتبرها أنه للبركة، واعتبر أن من تلعُّب الشياطين ببعض طلبة العلم، الأستزادة من الشيوخ، يعني هو يسمع سنن الترمذي - مثلاً - من شيخ، ثم يأخذه من شيخ ثم يذهب إلى شيخ آخر، ثم يذهب .. حتّى إذا سئل من شيوخك؟ يعد ألف شيخٍ، وهو ليس بحاجة، لأن الشيخ يضبط عليه الكتاب، هذا سبب، والسبب الثاني - يعني كان هناك ضرورة الشيوخ - أن الكتب، التصحيف فيها كثير، لأنها لم تكن بمثل هذه البراعة الكتأبية في هذا الزمان، ومن نظر في مخطوطات الأوائل، يشعر أنه لابدّ من رجلٍ يقرأ عليه الكتاب، ليعرف ضبطه، ربما لفظ"غَير"، يقرأه"غَبَر"وربما يقرأه"عير"وهكذا لعدم النقاط ولعدم .. ، ولكن في هذا الزمان سهل الأمر ..

إذن المقصد هو حصول العلم، إذا حصله بالقراءة، فحياه الله، وإذا حصله عن طريق الشيوخ، فحياة الله، ولايقال:"لا يكون رجلٌ عالماً حتّى نعرف شيوخه".. ، هذا للأوائل كان مكان اعتبار، لكن في هذا الزمان غير معتبر، والأوائل كذلك، كانت عامة علومهم تأتي عن طريق الوجادة .. على سبيل المثال، لو قرأتم كتاب"فتح البارى"لابن حجر، وأردتم أن تجمعوا لنا مصادر ابن حجر في فتح الباري، لوجدتم عجباً، ربما يجتمع لديكم ألف وخمس

(1) راجع"ذيل طبقات الحنابلة"لابن رجب الحنبلي، عند ترجمة ابن قدأمة الحنبلي. قال ابن عبدالسلام:"لم تطب نفسي بالفتيا حتّي صار عندي نسخة المغني لإبن قدأمة".

(2) انظر سير اعلام النبلاء"للامام الذهبي" (16/ 285) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام