ثالثاً: أن يكون لهم تأويل سائغ [1] لما خرجوا عليه، قد يخرجوا عليه طلباً للعدل أو .. ، المهم أن يخرجوا بتأويل لهم - شريطة أن لايكون هذا التأويل، تأويلاً يقطع بفساده، كتأويل المرتدين، فهؤلاء ليسوا بغاة، لأن الباغى كما قلنا، تأويله سائغٌ، أي مُحتَمِلٌ للصحة والفساد - ..
الآن السؤال: هل البغاة عصاة بعدم بيعة الإمام، إذا كان الإمام إمام حق وعدل؟ نعم، عصاة لكن هل كل عاصٍ يستدعى أن يكون فاسقاً؟ لا، ولذلك البغاة ليسوا فسقة، [2] عصاة بخروجهم، لكن قد يكون لهم حسناتٌ تمنع عليهم إطلاق لفظ الفسق، كما سيأتي في الحكم على المعين، الحكم على المعين بالفسق.
قد يقوم الرجل بمعصية ولكن لا يستدعي أن يكون فاسقاً، فلا تقولوا ولا تظنوا أن كل من بغيا على الإمام ينبغي أن يكون فاسقاً ويطلق عليه اسم الفسق وحكمه، ..
إذن إخواني! ليس هناك من تلازم بين كونه باغياً وفاسقاً.، ولذلك ردّ الإمام ابن تيمية رحمه الله على أبي الوفاء ابن عقيل رحمه الله، إمام من أئمة الحنابلة، عندما قال في بعض كتبه، أن البغاة فسقة، قال ابن تيمية، هذا لا يستدعى التلازم و - يؤوِّل ابن تيمية قول أبي الوفاء، ويقول - لعل أباالوفاء نظر إلى عامة البغاة في عصره فرءاهم من الفسقة، فغلب الظن عليه أن كلَّ باغٍ فاسقٌ.
إذن، هؤلاء - أي البغاة - حكمهم أن يقاتَلوا، ولا يتبَع مدبرهم، ولا يذفَّفُ على جريحهم [3] ، ولا يغنموا، ولكن يؤخذ أموالهم التي قاتلوا بها، كالسلاح و .. ولكن هل تُسبيا نساؤهم؟ لا تسبى نساؤهم [4] ، ولذلك لما قاتل علي رضي الله عنه .. معاوية ومعاوية باغٍ على علي رضي الله عنه، وكان علي رضي الله عنه، [5] عندما يجتمع لديه قتلة معسكر معاوية وقتلة معسكره
(1) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن التأويل السائغ هو الجائز الذي يقر صاحبه عليه إذا لم يکن فيه جواب کتأويل العلماء المتنازعين في موارد الإجتهاد. {مجموع الفتاوي 28/ 486} .
(2) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"وکل من کان باغياً أو ظالماً أو معتدياً، أو مرتکباً ما هو ذنب، فهو قسمان: متأول وغير متأول، فالمتأول المجتهد، کأهل العلم والدين، الذين اجتهدوا، واعتقد بعضهم حل أمور واعتقد الآخر تحريمها .. فهؤلاء المتأولون المجتهدون غايتهم أنهم مخطئون، وقد قال الله تعالي: (ربّنا لا تؤأخذنا إن نسينا أو أخطأنا) البقرة 286، وقد ثبت في الصحيح أن الله استجاب هذا الدعاء .. والعلماء ورثة الأنبياء، فإذا فهم أحدهم من المسألة ما لم يفهمه الآخر لم يکن بذلک ملوماً ولا مانعاً لما عرف من علمه ودينه، وإن کان ذلک مع العلم بالحکم يکون إثماً وظلماً، والإصرار عليه فسقاً، بل متي علم تحريمه ضرورة کان تحليله کفراً. فالبغي هو من هذا الباب."
و أما إذا کان الباغي مجتهداً متأولاً، ولم يتبين له أنه باغ، بل اعتقد أنه علي الحق وإن کان مخطئاً في إعتقاده، لم تکن تسميته"باغياً"موجبة لإثمه، فضلاً عن أن توجب فسقه. والذين يقولون بقتال البغاة المتأولين، يقولون: مع الأمر بقتالهم، قتالنا لهم لدفع ضرر بغيهم، لا عقوبة لهم؛ بل للمنع من العدوان. ويقولون: إنهم باقون علي العدالة؛ لا يفسقون". {مجموع الفتاوي 35/ 75 - 76} ."
(3) روي الحاکم في (المستدرک) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم لعبدالله بن مسعود:"يا ابن مسعود، اتدري ما حکم الله فيمن بغي من هذه الأمة؟ قال ابن مسعود: الله ورسوله اعلم، قال:"فإن حکم الله فيهم أن لا يتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يذفف علي جريحهم" {المستدرک 2662} . قال الحافظ الذهبي في التلخيص: فيه کوثر بن حکيم، وهو متروک. ورواه البيهقي في السنن الکبري (8/ 182) . وقال فيه: تفرد به کوثر بن حکيم وهو ضعبف."
(4) وقد اتفق الفقهاء علي عدم جواز سبي نساء البغاة وذراريهم. {الموسوعة الفقهية الکويتية 4/ 208}
(5) لتفصيل هذا الموضوع راجع {مجموع الفتاوي لابن تيمية 35/ 58 - 80} .