الآن! هل هذا الحديث يفيد هذا المعني؟ نعم يفيد هذا المعنى مستقلاً - أي دون تقييده بالنصوص الأخرى -! إذن هذه الجماعة قالت: أن الإنسان مجبور والعمل لاقيمة له، فالإنسان مجبور، والله تعالى يجبر عباده على ما قضى في علمه، ولا قيمة لإرادة العبد [1] ..
وتأتي جماعة أخرى وتقول بنصٍ أو بحديثٍ آخر، مثل ما ذكرناه آنفاً (من قال لا اله الاالله دخل الجنة) . في هذا الحديث ربَطَ النبي صلى الله عليه وسلم دخول الجنة بماذا؟ على قول العبد، أين ذكر علم الله تعالي؟ فلا ذكر عن علم الله .. فمن أخذ بهذا الحديث دون أن ينظر إلى علم الله، ضلَّ [2] ، ومن أخذ بالحديث الأول دون النظر إلى الحديث الآخر المفيد لإرادة الإنسان في الأعمال ضلَّ ..
وماذا هو حال أهل السنة؟، أهل السنة يأخذون بجميع السنة وبجميع النصوص وإذا ظهر لبعضهم أن هناك تعارض، فهو تعارضٌ متوهَّم وفي الحقيقة لا تعارض .. [3]
فهمتم هذه النقطة؟ فما من فرقةٍ بدعيةٍ أنتسب إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا وقد ضلت بأخذها ببعض النصوص دون بعض. وأما أهل السنة فلا يضرهم، أُورِد عليهم ما تريد، فإنه مقيدٌ بما ورد في النصوص الأخري، كل حديث مقيد بما ورد في أحاديث أخري، فيجمون النصوص في حالة واحدة، أو في وقتٍ واحد ..
الآن كيف صنع أهل السنة بالحديث الأول؟ جمعوا بين النصوص، (من قال لا إله إلا الله ولم يقتل مسلماً دخل الجنة) .. فهمتم؟
ها هنا لابدّ من نقطةٍ أن نُنبِّه عليها ونبينها .. و هي: هل في قول النبي صلى الله عليه وسلم (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) ؛ أو في الحديث الآخر، تلك المعانى الباطلة التي فهمتها الفرق الضالة؟ يجب أن نعلم أن النص على الحقيقة لو إنفرد، - و لانجمع بينه وبين النصوص الأخرى - فإنه لايدل بذاته ومنفرداً، على باطلٍ كما يحْمِلُه أهل البدع. يعني - مثلاً أن قوله صلى الله عليه وسلم:"من قال لا إله إلا الله دخل الجنة"بذاته، وبهذا النص، لايفيد ما إستقر عليه عقيدة المرجئة، فإن في ذاته معنى حقيقياَ وهو المعنى الذي عليه أهل السنة والجماعة، ولكن لألَّا تَضِلَّ الأفهام ببعض المعانى التي يحتملها وهي المعانى الضعيفة، في هذا النص، فقد وُجِدَ النصوص الأخرى التي تبين المعنى الحقيققى من هذا النص. لأن هذا النص يحتمل عدَّة معانٍ فمنها المعنى الواضح الظاهر وهو المعنى الحق الذي يدل عليه بقية النصوص الأخرى المرشدة له في داخل هذا النص ..
إذا إخواني! الميزة الأولى لأهل السنة والجماعة، أن المصدر الوحيد لدين الله عزوجل هو كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما خالف هذا فهو الهوي. خلاف الحق ماذا؟
(1) وهذه الجماعة هم (الجبرية) .
(2) وهؤلاء هم القدرية.
(3) التعارض بين حديثين صحيحين، لا يوجد أصلاً ولا أبداً. قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله:"لا أعرف أنه روي عن الرسول صلي الله عليه وسلم حديثان بإسنادين صحيحين متضادين، ومن کان عنده فليأت به حتّي أؤلِّف بينهما"أنتهي. وقال الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة:"ولم نجد حديثين مختلفين إلا ولهما مخرجٌ .."إنتهي. {الکفاية في علم الرواية ص 606 - البحر المحيط للزرشکي - تدريب الراوي للسيوطي 2/ 196} .