السؤال: لماذا سمَّى الله تعالى الشرك بالفتنة؟ الفتنة، هي ضد الصلاح. وقلنا أن معنى الدين هنا، الحكم. الآن، إذا كان الحكم في قضية من القضايا لغير الله، ماذا يكون؟ يكون الشرك. فهذه الآية دليل على ماذا؟ على شرك القضاء والحاكمية. ولا يقصد هذه الآية من"الفتنة"أن لا يكون شرك العبادة (شرك النسك) . لأنه مسموح به في داخل الدولة الإسلامية، وجود شرك النسك! كيف؟ واحد يهودي يقول:"هو يقول: عزير ابن الله"، هل هذا مسموح به في داخل الدولة الإسلامية - بأن يقول بهذا، اليهود في مجامعهم وغيره، بهذا القول -؟ نعم. هل مسموح في داخل الدولة الإسلامية لمشرك - من أهل الذمة - أن يقول:"واللات والعزى"؟ على الصحيح نعم - و هذا فتوى ابن تيمية -، على خلاف الجمهور، وهو يجيز أن يكون أهل الذمة في داخل الدولة الإسلامية بكل أنواع المشركين، بخلاف الجمهور الذين يقولون، الجزية لا تؤخذ من المشركين، وفقط تؤخذ من اليهود والنصارى والمجوس. لكن على الصحيح تؤخذ، ولا يوجد أدلة خاصة فيها، فيجوز في داخل الدولة الإسلامية - أو في داخل دار الإسلام - أن يبقى المشركون مع شركهم في نسكهم وإعتقاداتهم بعنوان أهل الذمة ..
إذن ماهو الشرك (=الفتنة) الذي، قال الله تعالى (حتّى لا تكون فتنة) ، ويقاتل عليه الناس؟ هل هو شركهم في النسك أم هو شرك حكهم وقوانينهم ودساتيرهم؟ هو شرك حكمهم. والآية واضحة. والآية أكبر حجة على أن الحكم بغير ما أنزل الله، سمّاه الله فتنة، وإجماع أهل العلم على أن الفتنة هي الشرك. فمن هنا، نرى أن الحكم بغير ما أنزل الله، سماه الله تعالى شركاً، سواء في أفراده أو بمجموعه. والعلماء احتجوا بهذه الآية، كقول ابن تيمية رحمه الله:"والدين هو الطاعة [1] ، فإذا كان بعض الدين الله وبعضه لغير الله، وجب القتال حتّى يكون الدين كله لله". [2]
إذن لمّا يحْكم في مسألة من المسائل، قانوناً يضعونها، ويلتقوا عليها وينفذوها فيما بينهم، وهي خلاف الشريعة، هل هذه شرك؟ نعم. ف (قاتلوهم حتّى لا تكون فتنة) . أي الشرك ..
الآن، ثانياً: لماذا سمّى الله عزوجل الشرك فتنة؟ بالرغم - يا إخوتي! - على أن وجود الكفار في بلاد المسلمين - محكومين تحت حكم الإسلام -، ليس فتنة، - لأن الله أجاز بها، ومن الجهة الأخرى قال"حتّى لا تكون فتنة"، فلمّا أجاز بوجود الكفار في بلاد المسلمين، فهذا يدل على أن هذا ليس من الفتنة التي قال تعالى"حتّى لا تكون فتنة"!. فلماذا سمّى حكم الشرك فتنة ولم يسمِّي الشرك بذاته فتنة - حسب الآية؟ وهي في الحقيقة، بذاته الفتنة، ولكن لماذا لا يسميه هنا فتنة؟ لأن الفتنة هي ضد الصلاح، الفتنة بما تقع؟ بالتي هي الهرج والمرج، ضعف الموارد الإقتصادية، فساد الحياة الإجتماعية، هذه كلها من الفتنة، كيف تقع؟ لماذا تقع؟ تقع بفساد الحكم - بشرك الحكم -، لا بوجود الشرك في داخل دولة الإسلام - أو دار الإسلام -. لو وجد الشرك في داخل بلاد المسلمين، وهذا البلاد محكومة بأحكام الإسلام، ونعلم أن الإسلام أذِن بها - أي أَذِن بوجود المشركين في دار الإسلام بأن يكونوا أهل الذمة، ويمارسون طقوس وأعمالهم الشركية فيما بينهم -، فهل يأذن الإسلام بفتنةٍ؟ لا يأذن الإسلام بفتنة، ولكن لمّا أذِن بهذا، دلّ على أن هذا ليس فتنةً مادام محكومة بأحكام الإسلام.، قلنا سابقاً أنَّ الله
(1) اي: الحکم.
(2) مجموع الفتاوي (28/ 544) .