أما، الأحكام الشرعية، هل فيها متشابهات - بأن لا يعلم أحد معناها إلا الله -؟ نعوذ بالله! هل الله يأمرنا بأمر ولا يفسره لنا ولا يبسطه لنا؟! ..
إذن الأحكام الشرعية واضحة ويعلمها الراسخون في العلم، فأين تكون المتشابهات؟ في الأخبار بالغيبيات؛ إذن التأويل الذي أراد الله أن يبين زيغ الناس فيه، ماهو؟ في قضية الأخبار بأسمائه وصفاته وماشابه ذلك. ولكن، هل يعلم الراسخون في العلم تفسيره؟ نعم. لا يمكن أن يوجد آيةٌ في القرآن، ذكرها الله تعالي، ولا نعلم معناها، لا يمكن، [1] لكن أين جَهْلُنا به؟ في حقيقتها وكيفيتها.
ومن هنا قال ابن عباس رضي الله عنهما: «القرآن على أربع أقسام: قسمٌ في القرآن، لا يسَعُ لأحدٍ الجهل به. - مثلاً: قل هو الله أحد -. وقسمٌ لا يعلمه أحد، إستأثر الله بعلمه"- الآن ما هو الذي إستأثر الله بعلمه؟ بعض المشايخ قالوا: التفسير!، إذا كان كذلك، فلماذا ذكرها الله سبحانه؟ وهذا نسبة العبث إلى الله! ذكره ولم يذكر لنا تفسيره!، من هنا لمّا يقول مجاهد رحمه الله): عَرَضْتُ القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات ٍ أوقفتُه عند كلِّ آيةٍ أسأله عن معناها) [2] ، هل كلامه صحيح؟ نعم. يتكلم عن ماذا؟ عن التفسير. وما آية في القرآن إلا وفسرها العلماء. فهذا القسم الذي لا يعلمه إلا الله، هو الحقائق الكونية، لا يعلمها إلا الله .."
قرأ عمر بن الخطاب على المنبر قوله تعالي: (وفاكهةً وأبّاً) [3] فقال: «هذه الفاكهة قد عرفناها، فما الأبّ؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلّف يا عمر» . [4] الآن، هل يعلم عمر رضي الله عنه أن (أبّاً) نبات أو لا يعلم؟ هو يعلم، لكن ماهي حقيقته وكيف هو و .. ، هذا الذي قال عنه، لا أعلمه. وقال هذا من التكلف. يعني لا ضرورة لمعرفته ..
متى يصبح معرفته غير تكلف؟ لمّا يحتاج له، مثلاً، هناك مرض، وشفاءه في هذا النبات، وهكذا ..
قال ابن عباس: «وقسم ثالث: يعرفه أهل العلم» . أي مسائل الأحكام الشرعية، هذا، أهل العلم يعرفونها، ويفسرونها بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وقال: «وقسم رابع: يعرف من لغة العرب، أي تعرفه العرب بألسنتها» [5] .
هل هناك تضارب بين كل هذه الأقسام؟ لا. قد تكون الآية، نعلم تفسيرها، ولا يعلم حقيقتها إلا الله، ومأخوذة من لغة العرب، والنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً فسّرها بلغة العرب ..
(1) اتفق العلماء علي أن ليس في القرآن ما لا معني له. واتفق السلف علي أن جميع ما في القرآن مما يفهم معناه، ويمکن إدراکه بتدبر وتأمل، وأنه ليس في القرآن ما لا يمکن أن يعلم معناه أحد. {انظر مجموع الفتاوي لابن تيمية (13/ 286) و (17/ 390) . وانظر (معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة) ص 106} .
(2) رواه الطبري في تفسيره (ج 1/ص 9) .
(3) سورة عبس (31) .
(4) أنظر"فضائل القرآن"لأبي عبيد ص 227 .. و"مجموع الفتاوي" (13/ 372) .
(5) ذکر أبو حيان الأندلسي رحمه الله، قول إبن عباس، في تفسيره"البحر المحيط"ج 3/ص 28، وذکره شيخ الإسلام في (مجموع الفتاوي) 13/ 375.