والوجود الثاني: هو الوجود الذهني.
والوجود الثالث: الوجود اللفظي.
وبعض العلماء قال، ورابعاً: الوجود الكتابي. (وهذا الأخير لا يهمنا، لأنه تابع للوجود اللفظي) .
نضرب لكم مثالاً: إخواني! قال العلماء: ان المطلقات لا وجود لها إلا في الأذهان. ما معنى هذه الكلمة؟ أصور لكم إياها: الآن كلمة (الرجل) ، أين وجودها فقط؟ في ذهنك. هل لها وجود على أرض الواقع؟ هكذا مطلقة من غير إنتساب؟ لا. أعطونى هذا، أي بمعناه مطلقاً، لا ينتسب. هذا لا يوجد في الواقع، بل هو حقيقة ذهنية محضة ومجردة عن الوجود الخارجي، حتّى يكون منسوباً [1] ، رجلٌ طويل، رجلٌ صغير، رجل إنكليزي، رجل عربي، وهكذا .. ، فالمطلقات - قال العلماء -، لا وجود لها إلا في الأذهان. من هنا، لما يقول المعطلة: (الله، لا فوق ولا تحت، ولا داخل العالم ولا خارج العالم، ولا .. ) ، هذا، في الحقيقة، لا وجود له إلا في الذهن، ولا يمكن تصوره على أرض الواقع .. ، فمِن هنا، أنّ المطلقات التي زعم الفلاسفة .. ، الفلاسفة لأنهم عباقرة فيما يزعمون دجلاً وزوراً، زعموا أن كل كلامهم في المطلقات، أما الدخول إلى مسائل الأعيان، فهو مسائل العوام - يعني نحن -!، أما هم دائماً يتكلمون في المطلقات! ..
الآن، نحن كلّ تعلُّقنا بماذا؟ بالوجود الحقيقي. والوجود الذهني واللفظي، تابعٌ للحقيقي.
الآن، نحن نريد أن نعرف ما هو القلم؟ هذا قلمٌ، هذا وجود حقيقي له. ثانياً: وجود لفظى"قلم"، وهو كذلك له وجود ذهني. إنتبهوا، الوجود الذهني والوجود اللفظي، تابع للوجود الحقيقي. من هنا لما أراد الله عزوجل يقول عن دين"الحق"، ما معنى دين الحق؟ أن كلّ ما أمر به، له حقائق حقيقية أو حقائق ذهنية فقط؟ حقائق حقيقية!، دين الحق ..
إذن، الخلق، سابق على الوجود الذهني والوجود اللفظي. لا يوجد شيءٌ - إلا إذا لم يعرفه الناس -، لا يوجد شيءٌ، يكون له وجود حقيقي، - - وهو عيني -، وليس له وجود ذهني أو لفظي، لا يوجد.، قد لا يوجد له وجود ذهني عند بعض الناس، لكن يوجد له الوجود الذهني عند بعض الناس الآخرين.، أما عدم الوجود اللفظي، فلا يوجد أبداً، لقوله سبحانه وتعالي): وعلّم آدم الأسماء كلّها) [2] ، فكل ما خلق الله فَعَلَّمه لآدم، عُلِّم ماذا؟ إسمه، أسمائها، ما علَّمه بأن يقول له نحو: (هذا قمرٌ وهو يتحرك بالطريق الفلاني، وله هذه الوظائف و .. ) ، ما علَّمه هذا، بل فقط علَّمه أنّ هذا هو القمر .. ، ثم بعد ذلك ماهو القمر، وكيف ينير، وكيف يشرق؟ هذا يأتي بطريق، إما بهداية الله، بأن يعَلِّمَه، وإمّا عن طريق التجربة، كما هي سنن الله تعالى في الخلق ..
الآن، لو أن هناك شيءٌ له وجود ٌ ذهني، - وطبعاً يتبعه الوجود اللفظي -، لو أن هناك شيئٌ له وجود ذهني، وليس له الوجود الحقيقي، هذا إسمه"الأسطورة"، وهذا هو الشرك. ونتيجته الشرك. من أجل هذا حارب الإسلام الأوهام والخرافات، وجاء الإسلام بالحق، حتّى لا تعلقت الأذهان بأوهام ذهنية ..
(1) انظر"النحو الوافي"لعباس حسن. (ج 1/ص 22 و 175 و 176) .
(2) البقرة (31) .