فهرس الكتاب
الصفحة 202 من 224

يظهر طاغوتٌ في مسألةٍ من مسائل التوحيد ويريد أن يطْمِس هذا الجنس - أو هذا الجزء - من التوحيد، - ونعلم أن يسير الشرك شرك، ويسير الكفر كفرٌ، لأن الله لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصاً، والخالص يعني الصافي، لا شية فيه، والله عزوجل أغنَى الشركاء عن الشرك، ولا يقبل أن يشرك معه أحد -، فيأتي هذا الطاغوت ويأخذ من داخل النص بعض العبودية لنفسه .. ، فحركة التجديد ماذا تصنع؟ لابدّ أن تبين أنّ هذه العبودية، هي حق خالص لله، وينبغي أن لا تصرف إلا لله، وأن هذا شرك، وصرف هذه العبودية لغير الله شرك. هذه هي حركة التجديد، وحركة التوحيد ..

لنضرب أمثلة يسيرة من حركات التجديد التي تمت في أزماننا، أو في الأزمان السابقة من أزمان أمة محمد صلى الله عليه وسلم ..

بلا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم، هو أول مجدد لمعالم التوحيد التي اندرست بالنسبة للأمم السابقين، وكان الناس، العرب، يزعمون النسبة لإبراهيم عليه السلام؛ العرب من قريش والعرب في الجزيرة، كان ينتسب إلى ملة دبراهيم وينتسب إلى دين ابراهيم ويقول"نحن أولى الناس فيه، وهذه الكعبة بين أيدينا، ونحن أوليائها ونحن أهلها وسادتها ونحن أتباع ابراهيم، ويدَّعون أن كل ما يأتون به فهو من دين إبراهيم". ولم يكونوا يقولون:"هذه عبادة لغير الله"، فيما كانوا يقومون به من أعمال الشرك، كانوا يقولون نحن نتخذ الأصنام وسائط وشفعاء عند الله. فيصرفون إليها النذور والدعاء، ويصرفون إليها الإلتجاء، والذبائح، ويصرفون إليها الخوف والرجاء، الذي لا ينبغي إلا لله عزوجل، ويقولون أن كل ما نأتي به هو من ملة إبراهيم. ولذلك لمّا دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة بعد فتح مكة، وجد في الكعبة صورة ابراهيم واسماعيل عليهما السلام، ويتقاسمان بالأزلام، وهذا شرك. وجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليقول لهم أن هذه الأمور، عبادة، وصرفها لغير الله شرك، وأنّكم كفار ومشركون .. ، كانوا يقولون نحن أهل الحق - و أن النبي صلى الله عليه وسلم في زعمهم صابئي -، بل كانوا - كما موجود في بعض النصوص - فكانوا يظنون أنهم أقرب إلى الله من النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال أبوجهل في غزوة بدر، أول الغزوة: (اللّهم انصر أولاى الطائفتين بالحق، اللهم انصر أوصلنا للرحم) [1] ..

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء بالتوحيد حتّى ظهرت معالمه واستضاء الناس بنوره، وطمست أعلام الشرك، وكشفت غياهب الضلال والشرك التي كانت غالبة على العالم؛ وبلا شك أن كفار قريش، كشف الله حُجَجهم الشركية وبينها، وما من حجة يأتي بها الناس لأمرٍ لطمس التوحيد وإعلاء الشرك، إلا وفي القرآن ما يرُدُّ عليه ويبَين أمره ويكشف ضلالَه من داخِل القرآن بالنص والجلاء، بالنصوص المحكمة البينة الواضحة الجلية ..

نحن بينَّا أن التوحيد - الذي جاء به الأنبياء - هو صفة إستحقاق وليس صفة ذات ..

(1) روي الإمام أحمد رحمه لله في المسند: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ حِينَ الْتَقَى الْقَوْمُ:"اللَّهُمَّ أَقْطَعَنَا الرَّحِمَ وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُهُ فَأَحْنِهِ الْغَدَاةَ -أي أهلکه -، فَكَانَ الْمُسْتَفْتِحَ». {مسندأحمد (23710) قال الأرناؤوط: حديث صحيح} . وانظر تفسير آية (19) من سورة الأنفال من تفسير ابن کثير."

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام