فهرس الكتاب
الصفحة 166 من 224

يصدرون إلا عن رأيه وأمره، واسمه: عبد المسيح، والسيد عالمهم، وصاحب رحلهم ومجتمعهم، وأبو حارثة بن علقمة، أخو بكر بن وائل، أسقفهم وحبرهم وإمامهم، وصاحب مراميهم. وكان أبو حارثة قد شرف فيهم حتى حسن علمه في دينهم، وكانت ملوك الروم من النصرانية قد شرفوه وقبلوه، وبنوا له الكنائس، وبسطوا عليه الكرامات، لما يبلغهم عنه من اجتهاده في دينهم، فلما وجهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من نجران، جلس أبو حارثة على بغلة له موجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى جنبه أخ له يقال له: كرز بن علقمة، يسايره، إذ عثرت بغلة أبي حارثة، فقال كرز: تعس الأبعد، يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حارثة: بل أنت تعست، فقال: ولم يا أخ؟ فقال والله إنه لَلنبي الذي كنا ننتظر، قال له كرز: وما يمنعك وأنت تعلم هذا؟ قال: ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا، وأمرونا، وأكرمونا، وقد أبوا إلا خلافه، ولو قد فعلت نزعوا منا كل ما ترى، وأضمر عليها منه أخوه كرز بن علقمة، يعني: أسلم بعد ذلك".. [1] "

نرى أن"أبو حارثة"نطق بلسانه وشهد وعرف بقلبه، وأقر وصدَّق أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لم يدخل بهذا في الإسلام .. [2]

إذن إخواني! أصل الدين ماهو؟ أصله أن يعرف المرء ربه، أول شيء: المعرفة .. ، أن يعرف ربه، وليست كافيةً، وليس هو الإيمان، ولابدّ أن يعرف الله، وماذا؟ يعرف ربوبيته ويعرف استحقاقه، ويقر بهذا الاستحقاق ويقصد أن يتابع أوامر هذا الإله الحق بعد ذلك إذا أتى المرء بهذا.، بهذا يدخل في الدين، وعلى هذا الأساس، فأصل الدين هو"عقد الإلتزام" [3] بينه وبين الله، - بأن يقول - يارب! لا يستحق العبادة إلا أنت .. ، لماذا لا يستحق العبادة إلا أنت؟ لأنك الرب، فالرب صفةٌ ذاتيةٌ له، من أجل هذه الصفة الذاتية فهو يستحق الالوهية ..

فعقد الإلتزام يكون هكذا، وهو معنى"لا إله إلا الله".. ، يقول فيها العبد: علمت يا رب وتَيقَّنتُ أنه لا يستحق العبادة إلا أنت، وترتَّبَ عليه، فإني أكون عبداً لك في كل ما تأمر به وتنهيا عنه، على طريق محمد صلى الله عليه وسلم .. ، هذا هو عقد الإلتزام، هذا أصل الدين، من لم يأتي به فليس بمسلم.

(1) رواه الطبراني في المعجم الاوسط (4053) . والبيهقي في دلائل النبوة (2124) .. قال الهيثمي في مجمع الزوائد:"رواه الطبراني في الاوسط وفيه بريدة بن سفيان وهو ضعيف".

(2) يقول ابن القيم رحمه الله - تعليقاً علي قصة وفد نصاري نجران:"وفيها: أنَّ إقرارَ الكاهن الكِتابى لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه نبى لا يُدخله فى الإسلام ما لم يلتزِمْ طاعتَه ومتابعته، فإذا تمسَّك بدينه بعد هذا الإقرار لا يكونُ رِدَّة منه - أي من الإسلام، لأنه لم يدخل في الإسلام أصلاً -، ونظيرُ هذا قول قول الحَبْرينِ له، وقد سألاه ثلاث مسائل، فلما أجابهما، قالا: نشهد أنك نبى، قال:"فما يمنعُكما مِن إتباعي"؟ قالا: نخاف أن تقتُلَنا اليهودُ، ولم يُلزمهما بذلك الإسلام، ونظيرُ ذلِكَ شهادةُ عمه أبى طالب له بأنه صادق، وأنَّ دينَه مِن خير أديان البرية ديناً، ولم تُدخِلْه هذه الشهادةُ فى الإسلام. ومَن تأمَّل ما فى السير والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالرسالة، وأنه صادق، فلم تدخلهم هذه الشهادة فى الإسلام، علم أنَّ الإسلامَ أمرٌ وراء ذلك، وأنه ليس هو المعرفة فقط، ولا المعرفة والإقرار فقط، بل المعرفةُ والإقرار، والانقيادُ، والتزامُ طاعته ودينه ظاهراً وباطناً.". 1 ه {زاد المعاد في هدي خير العباد 3/ 638 - 639 .. ط. مؤسسة الرسالة} .

(3) کثيرٌ من العلماء يسمي هذا العقد،"عقد الإسلام"أو"عقدالإيمان". انظروا: {شعب الإيمان للبيهقي (4/ 75) - (الفصل في الملل لابن حزم 3/ 138) - شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي. ص 116 - جلاء الافهام لابن القيم ص 369 - الدرر السنية 11/ 253 - الحجة في بيان المحجة للامام أبوالقاسم اسماعيل بن محمد الاصفهاني 2/ 552 و .. } .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام