فهرس الكتاب
الصفحة 147 من 224

ولا ينبغي للقلب أن يقول ويفعل إلا ما هو مأمور به، وأن يتنكب عما هو منهي عنه من القول والفعل .. ، واللسان، لا ينبغي أن يقول إلا ماهو مأمور به، وعليه أن يتنكب ويبتعد عما هو منهي عنه، وكل شيءٍ فيه أحكام، فيه قضاءٌ وتشريع ..

وكذلك الجوارح، لا تفعل إلا ماهو مأذون أو مأمور به شرعاً ..

إذن، هذه الأوامر، أو هذه الأفعال والأقوال، التي يقولها ويفعلها الإنسان، هي أوامر الرب عليه، فإذا إمتثلها فهو مطيعٌ لله، وإذا عصاها، فهو عاصٍ لله عزوجل، ولا يوجد قولٌ ولا فعلٌ - سواءٌ للقلب أو اللسان أو الجوارح -، إلا ولله تعالى فيه أمر، لأن الله أرادك له، فلمّا أرادك له، هل يمكن أن يترك فيه شيءٌ معين، ويقول هذا ما أعطيتك فيه حكم؟ ممكن؟ يعني أن يقول لك، أنت لا تتحرك طرفة عينٍ إلا بإذني، ثم يترك لك ثلاث أرباع الحياة، من غير تشريع ولا توضيح؟ هل هذا فعل حكيم؟ حاشا وكلا ..

إذن الله عزوجل، لما قال لك - من اللحظة التي تعقل، إلى يوم موتك - يجب أن تكون عبداً لي ولا تتحرك إلا بإذني، .. إذن عليه أن يملأ جميع حياتك وحركاتك بالأحكام، بأن يبين لك ماذا تصنع في كل شيء من أمور الحياة ..

فالإنسان عندما يقول قلبه قولاً، ويفعل فعلاً، أو يقول لسانه أو تفعل جوارحه - على وفق ما جاء في الشريعة -، فهو - في هذا الحال -، ممتثل لأمرالله سبحانه وتعالي ..

إذن، نظرنا إلى حركات الإنسان، بإعتبار أصلها .. ، نظرنا الفعل - فرأينا - أنه إما قصدٌ وإما طلبٌ، ونظرنا إليها بإعتبار تحديدها في علاقاته مع الآخرين، وهنا نظرنا إلى أدواتها، .. ، وهي - كما ترون -، واحدة كلها ..

القصد والطلب، إما القصد يكون بالقلب واللسان والجوارح، والطلب - أيضاً - يكون هكذا، والنسك تكون بالقلب واللسان والجوارح، والولاء والبراء و .. ، هكذا هي واحدة، لكن إلى كل واحدة باعتبارها، على حدة ..

إذن، هنا نظرنا إلى أدوات حركة الإنسان، أدوات أفعال المخلوق ..

فهذه الأوامر التي يطبقها الإنسان، بالقول والعمل، (أو يطبقها في القول والعمل) ، هذه، هي الإيمان. [1] فلذلك السلف قالوا: الإيمان قولٌ وعملٌ ..

(1) الإيمان، يقصَدُ به أمران: 1 - بإعتباره أوامرر من الله تعالي2 - بإعتباره، أقوال وأفعال من العبد. فلما نقول الإيمان قول وعمل، فهذا، بالإعتبار الأول، يعني أنه، أوامر من الله تعالي إلي الإنسان، ليطبقها ويمتثلها بأقواله وأفعاله. وبالإعتبار الثاني، يعني أن الإيمان المطلوب من الإنسان، ليس فقط تصديق بالقلب، أو اقرار باللسان، بل هو أن يکون جميع حرکات الإنسان - التي هي القول والعمل - -، أن يکون جميع أقواله وأعماله -بقلبه ولسانه وجوارحه - علي وفق ما أمره الله تعالي به ..

فائدة: إن من السؤالات التي طرحها أهل البدع علي أهل السنة والجماعة - في هذه المسألة -، قولهم:"هل الإيمان مخلوق أو غير مخلوق؟"، وأشفي جواب في ذلک وأوفاه ما نقل عن الإمام أحمد رحمه الله أنه سئل عن ذلک فأجاب بقوله:"أما ما کان مسموع - أي أوامر الرب عزوجل -، فهو غير مخلوق، وأما ما کان من عمل الجوارح - أي من فعل الإنسان - فهو مخلوق". {"طبقات الحنابلة"لابن أبي يعلي (1/ 94) و"لوامع الأنوار البهية"للسفاريني (1/ 446) } وانظروا {مجموع الفتاوي 7/ 664} .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام