الإسلام ابن تيمية رحمه الله - وهذا قول حق - قال:"إذا ثبت شيءٌ بالعقل فهو دليلٌ شرعي والعكس بعكس، فإذا ثبت شيءٌ بالشرع فهو دليلٌ عقلي". [1]
إذن إخواني! الإسلام يحترم العقل ويقدر العقل ويدعو إلى إستعمال العقل، وينوِّر العقل، وكل ما نهيا عنه الشرع هو خلاف العقل وهو يحرِّف العقل.
قلنا التحسين والتقبيح عقليان، ما معنى إذن للعقل هنا؟ العقل هو الحق .. عندنا نحن هو الحق، وهو ماذا يساوي؟ يساوي الخلق. يعني إذا كان رجلٌ عقلانياً على الحقيقة، فماذا يتَّبع؟ يعني - مثلاً - رجلٌ إذا أراد أن يكتب، إستعمل القلم، يعني استعمل الخلق (الذي هنا القلم) فيما خُلِق له .. لكن لو هذا الرجل ذهب واستخدم الحجارة للكتابة، فهو استخدم الخلق في غير ما خُلِق له، إذن هو باطل. إذن إنه غير عاقل، وهو المجنون .. ما هو المجنون؟ هو الذي يضع الأمور في غير موضعها الصحيح ويسميها بغير أسماءها. هذا يسمى عندنا"غير عاقل"وهو باطل، وهو لم يستخدم طريق الخلق الصحيح للوصول إلى النتائج ..
يعني أنت تريد أن تشبع، الشبع مخلوق، ماذا خُلِق له من الوسائل؟ الطعام، هل أكل الطعام، أمر شرعي؟ نعم هو أمر شرعي .. لكن هو أصلاً ما هو؟ أمر عقلي .. الناس يكتشفونه ويعرفونه. فجاء الشارع به، ونهاك عما يضرك وأمرك بما ينفعك، .. الآن، فالمعادلة تكون هكذا: إذا أراد المرء أن يشبع، لابدّ أن يأكل،. إذن الشبع هو المطلوب، وهو الخلق، مطلوب بطريق حق، وهو الأكل، إذن عليه أن يأكل الطعام، فإذا أكل الطعام، كان عاقلاً، كان محقاً قد استخدم أمراً خلقياً .. ، وبعد ذلك ماذا يأكل وماذا لا يأكل، هذه قضية شرعية، وكذلك ذات الأكل، أمر شرعي، بحيث لو إمتنع المرء عن الأكل حتّى يمرض أو يموت، فهو آثم.
فذات الأكل، لأنه مخلوق وأمر خلقي صحيح وحق، فالشارع قد أمر به، ولأن القصد من أكل الطعام، هو تحصيل المنفعة، فما هو فيه منفعة - من الطعام -، فقد جاء الشارع بالأمر به والحض عليه، وماكان فيه مضرة فنهى عنه وحرمه ..
هناك نقطة لابُدَّ منها: إذا خاطب رجلٌ الناس بالعقل ليدُلَّهم على الوسائل الصحيحة، هل هو مصيب؟ نعم .. لكن لا يحصل بها العبودية. - وهذه نقطة لابدّ منها 0 لا يحصل العبودية إلا بإرجاع الأمر إلى الله تعالي، وإلّا أنت إنسان لا تتقيد بالشرع، ترى هذا ينفعك فتأكله وهذا يضرك فتبتعد عنه، وليس لأمر الآمر. فالأصل، خطابنا للناس، خطاب عبودية، لكن كله موافق للحق، وإلا لما سمي حقاً، ولكانت باطلاً، والله تعالى لا يأمر بالباطل، كما قال تعالي: (إن ربي على صراط مستقيم) {هود 56} . يعني الله تعالى لا يأمر إلا بالحق الذي خلق الخلق عليه، والذي هو مستقر في علمه بأنه حق سبحانه وتعالي، فنحن، حين نخاطب الناس، نخاطبهم بما؟ بالشرع. لكن من زعم أن الشرع لا يوافق الحق، أي لا يوافق العقل الصريح، هذا ماهو؟ سفيه. هو سفيه، ونحن بعد ذلك، مضطرون أن نثبت لهذا الإنسان، أن الشرع والعقل هما أمرٌ واحدٌ ..
ماذا أنتجت هذه المسائل في عقليتنا؟ ..
(1) انظر مجموع الفتاوي ج 12/ص 81. فهناک قول لشيخ الإسلام، يدل بمفهومه، علي هذا الذي يقوله المؤلف. والله اعلم.