جاؤوا هنا إلى نقطة أخرى وهي (أن القرآن معنى واحدة) ! .. قد يأتي إليهم من يحتج، يقول:"يا جماعة! أنتم تمنعون الحوادث المتجددة في ذات الله عزوجل. الآن، أنتم منعتم عن الله أن يقول: الحمدلله رب العالمين. لكن هل تمنعون أن يكون هذا المعنى قد جرى على نفس الله؟"قالوا: لا. - لأنهم يقولون"معنى هذا اللفظ في نفس الله، ولم يتكلمه".. طيب!، لمّا الله عزوجل - على زعمكم - جرى في نفسه كلمة"الحمد"، معنى"الحمد"، فكلمة"الحمد"جرت قبل جريان كلمة"لله"، هل هذا صحيح؟ ..
إذن حدثت إرادة الله بأنه قال - كما تزعمون في نفسه - قال"الحمد"ثم حدثت إرادة جديدة، بأن قال"لله"، وكذلك لما قال:"ال"حدثت إرادة الله بالهَمِّ بكلمة (ال) ، بـ (الف) قبل (اللام) و (اللام) قبل (الحاء) و (الحاء) قبل (الميم) والكلمة قبل الكلمة، ثم حدثت إرادة الله بأن جرت"الحمدلله رب العالمين"قبل"الرحمن الرحيم".. إذن هنا إرادات متتابعة، والإرادة الأولى غير الإرادة الثانية، .. إذن أنتم في النهاية لمّا أجريتم، هذا القرآن على المعنى بهذا المعني، إذن حللتم الحوادث في ذات الله - على المعنى الذي تقولونه -، إذن حدثت الحوادث - على تفسيرهم وزعمهم - في ذات الله ..
فقالت الأشاعرة - فراراً من هذا الإحتجاج عليهم، كالمستجير من الرمضاء بالنار - قالوا: القرآن كله معنى واحد! ..
الآن واحد يسألني كيف كله معنى واحد؟! أقول له: لا ندري، ولا يمكن تصوره ..
فالأشاعرة، لمنع الإرادة الحادثة في حق الله تعالي، عندهم، قالوا: القرآن معنى واحد! ..
يعني إذا تكلم الله تعالى بالسريانية، كان إنجيلاً، وإذا تكلم بالعبرانية كان توراتاً، وإذا تكلم بالعربية كان قرآناً، وكله معنى واحد!! .. شيءٌ لا يمكن تصوره!! ..
الآن، جَرَّهما هذا، لأقوال شنيعة تقرأونها في كتبهم وليس هذا مجال البحث، يقولون بعدم تفاضل الآيات، والقرآن عندنامتفاضل .."قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن" [1] . إذن"قل هو الله أحد"أفضل من سورة"الفلق"..
قال تعالى (ماننسخ من آيةٍ أو ننسها نأتي بخيرٍمنها أو مثلها ألَم تعلم أن الله على كل شيء قدير) . [2] إذن ممكن أن يكون آية خير من أخري ..
وهؤلاء يقولون:"القرآن لا يتفاضل"..
فهمتم كيف يجرُّهم هذه المسائل لأقوالٍ شنيعة .. لا نريد أن نصل ماذا جرَّت عليهم، لكن يكفي أن نقف عند هذه الصورة .. ، فالقرآن عند الأشاعرة، هذا الذي رأيناه ..
(1) حديث صحيح أخرجه مسلم (812) وأحمد (9531) وغيرهما .. لمزيد الإطلاع في هذا الموضوع راجع رسالة (جواب أهل العلم والإيمان في أن"قل هوالله أحد"تعدل ثلث القرآن) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
(2) البقرة (106) .