فهرس الكتاب
الصفحة 106 من 224

أعلنت الإعتزال عن مذهب المعتزلة والخروج عن مذهب الضلال، والتحقت بمذهب أهل السنة، مذهب الإمام أحمد عليه رحمة الله".. [1] "

فهذا السبب الأول، الذي يذكره بعض المورخين ..

وبعضهم يذكر سبباً آخر، بعضهم يذكر تحول أبي الحسن الأشعري من المذهب المعتزلة إلى مذهب - كما زعموا - أهل السنة والجماعة، السبب في ذلك، مناظرةٌ حصلت بينه وبين أبي على الجبائي، مناظرةٌ .. ، ما هي المناظرة؟ .. أنتم تعرفون أن المعتزلة يقولون"بوجوب الأصلح على الله"، ماذا يعني عندهم وجوب الأصلح؟ التي قررت لديهم - هو - أن الله عزوجل لا يفعل إلّا الحسن -، وعند المعتزلة أن الله عزوجل لا يقدر على فعل القبيح - أو فعل الشر - .. إنتبهوا! نحن أهل السنة نقول:"أن الله قادرٌ على كل شيء"، يعني هو قادرٌ أن يظلم وقادرٌ أن يعدل، لكن هل من أفعاله سبحانه، الظلم؟ هل يظلم ربّنا؟ لا، لا يوجد. فالله تعالى قادرٌ أن يظلم، ولكن سبحانه وتعالى لا يظلم وليس من أفعاله الظلم ..

المعتزلة يقولون: لا!، يقولون:"ان الله لا يقدر أن يظلم، وواجب على الله أن يفعل الأصلح".. ما هو الأصلح في عرفهم؟ هو بالتحسين والتقبيح العقلي، الصلاح - عندهم - هو ما قرر العقل صلاحه والفساد هو ما قرر العقل فساده. فهمتم؟ يعني أن الله يجب عليه أن يفعل الأصلح، ولا يستطيع أن يفعل إلا الأصلح - تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً - ..

فسبب المناظرة كالتالي: جلس يوم أبوالحسن الأشعري مع أبي على الجبائى - زوج أمّه -، قال له:"كان لرجلٍ ثلاث أولاد، ولدٌ منهم مات صغيراً، وولدٌ منهم كبر، ولما كبر كفر، والولد الثالث، كبر ولما كبر أسلم، أين هم يا جبائي؟ أين يذهبون في الآخرة؟"فقال الجبائي:"أما الصغير فليس إلى الجنة ولا إلى النار، لأنه لم يفعل الخير، فلا إلى الجنة ولا إلى النار"- لأن الجنة عندهم بالعمل، وليس لها تعلق بالرحمة والفضل، كما تبين لنا -، وقال:"و الكبير المؤمن فإلى الجنة، والكبير الكافر فإلى النار"..

فقال له أبوالحسن:"الولد الصغير سيحتج على الله ويقول:"يا ربّ لمَ لم تكبرني وتعطيني من العمر؟ فلو أني كبرت لآمنت، ولكن أنت يا رب! فوَّتَّ علي فرصة دخول الجنة، بحيث أمتَّني صغيراً"فقال الجبائي:"لأنه يجب على الله فعل الأصلح، فالله تعالى يقول للصغير: إني علمت أنك ستكفر إذا كبرت، فالأصلح لك أن لا تكبر، فأمتُّك صغيراً".. فقال أبوالحسن:"حينئذٍ يحتج الكبير الكافر"لمَ لم تُمِتْني صغيراً كما فعلت بالأول؟"! فسكت أبوعلي الجبائي .. [2]

فقيل، كأن هذه المناظرة كانت من أسباب تحول أبي الحسن الأشعري من مذهب الإعتزال إلى غيره .. نقول إلى غيره موقتاً، حتّى نعرف إلى ماذا تحول أبوالحسن الأشعري؟ .. هذا هو السبب الثاني ..

والصحيح: لعلّ هذه الأسباب مجتمعة، وقيل لأسباب أخرى كثيرة، لا نخوض فيها، لكن مما أعتقد، أن من أسباب تحوُّل أبي الحسن الأشعري، أنه كان شافعياً، ودرس في مجالس

(1) راجع طبقات الشافعية للسبکي ج 2 ص 245، ووفيات الاعيان 2/ 446

(2) طبقات الشافعية للسبکي (2/ 245) - وفيات الأعيان 3/ 398.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام