«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ» ..
وما كان يفزع المسلم - حينذاك - ما يفزعه أن يرى نفسه منتكسا إلى الكفر بعد الإيمان. وراجعا إلى النار بعد نجاته منها إلى الجنة. وهذا شأن المسلم الحق في كل زمان ومن ثم يكون هذا التحذير بهذه الصورة سوطا يلهب الضمير ، ويوقظه بشدة لصوت النذير .. ومع هذا فإن السياق يتابع التحذير والتذكير .. 102 - فيا له من منكر أن يكفر الذين آمنوا بعد إيمانهم ، وآيات اللّه تتلى عليهم ، ورسوله فيهم. ودواعي الإيمان حاضرة ، والدعوة إلى الإيمان قائمة ، ومفرق الطريق بين الكفر والإيمان مسلط عليه هذا النور: «وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ؟» أجل. إنها لكبيرة أن يكفر المؤمن في ظل هذه الظروف المعينة على الإيمان .. وإذا كان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - قد استوفى أجله ، واختار الرفيق الأعلى ، فإن آيات اللّه باقية ، وهدى رسوله - صلى اللّه عليه وسلم - باق .. ونحن اليوم مخاطبون بهذا القرآن كما خوطب به الأولون ، وطريق العصمة بين ، ولواء العصمة مرفوع: «وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ..
أجل. إنه الاعتصام باللّه يعتصم. واللّه سبحانه باق. وهو - سبحانه - الحي القيوم.
ولقد كان رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - يتشدد مع أصحابه - رضوان اللّه عليهم - في أمر التلقي في شأن العقيدة والمنهج ، بقدر ما كان يفسح لهم في الرأي والتجربة في شؤون الحياة العملية المتروكة للتجربة والمعرفة ، كشؤون الزرع ، وخطط القتال ، وأمثالها من المسائل العملية البحتة التي لا علاقة لها بالتصور الاعتقادي ، ولا بالنظام الاجتماعي ، ولا بالارتباطات الخاصة بتنظيم حياة الإنسان .. وفرق بين هذا وذلك بين. فمنهج الحياة شي ء ، والعلوم البحتة والتجريبية والتطبيقية شيء آخر. والإسلام الذي جاء ليقود الحياة بمنهج اللّه ، هو الإسلام الذي وجه العقل للمعرفة والانتفاع بكل إبداع مادي في نطاق منهجه للحياة ..
قال الإمام أحمد: «حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا سفيان ، عن جابر ، عن الشعبي ، عن عبد اللّه بن ثابت.
قال: جاء عمر إلى النبي - صلى اللّه عليه وسلم - فقال: يا رسول اللّه. إني أمرت بأخ يهودي من بني قريظة ، فكتب لي جوامع من التوراة. ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - قال عبد اللّه بن ثابت: قلت له: ألا ترى ما وجه رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ؟
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 439)