إن دين اللّه واحد ، جاءت به الرسل جميعا ، وتعاقدت عليه الرسل جميعا. وعهد اللّه واحد أخذه على كل رسول. والإيمان بالدين الجديد واتباع رسوله ، ونصرة منهجه على كل منهج ، هو الوفاء بهذا العهد. فمن تولى عن الإسلام فقد تولى عن دين اللّه كله ، وقد خاس بعهد اللّه كله.
والإسلام - الذي يتحقق في إقامة منهج اللّه في الأرض واتباعه والخلوص له - هو ناموس هذا الوجود.
وهو دين كل حي في هذا الوجود.
إنها صورة شاملة عميقة للإسلام والاستسلام. صورة كونية تأخذ بالمشاعر ، وترتجف لها الضمائر ..
صورة الناموس القاهر الحاكم ، الذي يرد الأشياء والأحياء إلى سنن واحد وشرعة واحدة ، ومصير واحد.
«وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ» .. فلا مناص لهم في نهاية المطاف من الرجوع إلى الحاكم المسيطر المدبر الجليل ..
ولا مناص للإنسان حين يبتغي سعادته وراحته وطمأنينة باله وصلاح حاله ، من الرجوع إلى منهج اللّه في ذات نفسه ، وفي نظام حياته ، وفي منهج مجتمعه ، ليتناسق مع النظام الكوني كله. فلا ينفرد بمنهج من صنع نفسه ، لا يتناسق مع ذلك النظام الكوني من صنع بارئه ، في حين أنه مضطر أن يعيش في اطار هذا الكون ، وأن يتعامل بجملته مع النظام الكوني .. والتناسق بين نظامه هو في تصوره وشعوره ، وفي واقعه وارتباطاته ، وفي عمله ونشاطه ، مع النظام الكوني هو وحده الذي يكفل له التعاون مع القوى الكونية الهائلة بدلا من التصادم معها. وهو حين يصطدم بها يتمزق وينسحق أو لا يؤدي - على كل حال - وظيفة الخلافة في الأرض كما وهبها اللّه له. وحين يتناسق ويتفاهم مع نواميس الكون التي تحكمه وتحكم سائر الأحياء فيه ، يملك معرفة أسرارها ، وتسخيرها ، والانتفاع بها على وجه يحقق له السعادة والراحة والطمأنينة ، ويعفيه من الخوف والقلق والتناحر .. الانتفاع بها لا ليحترق بنار الكون ، ولكن ليطبخ بها ويستدفئ ويستضي ء! والفطرة البشرية في أصلها متناسقة مع ناموس الكون ، مسلمة لربها إسلام كل شيء وكل حي. فحين يخرج الإنسان بنظام حياته عن ذلك الناموس لا يصطدم مع الكون فحسب ، إنما يصطدم أولا بفطرته التي بين جنبيه ، فيشقى ويتمزق ، ويحتار ويقلق. ويحيا كما تحيا البشرية الضالة النكدة اليوم في عذاب من هذا الجانب - على الرغم من جميع الانتصارات العلمية ، وجميع التسهيلات
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 421)