فهرس الكتاب
الصفحة 487 من 491

الخلافة في الأرض والقيادة للبشر طرف من المنهج الإلهي للخلاص[1]

«وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» .. «وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ» .. وغيرها كثير ..

وبتنحية الأسباب الظاهرة كلها ، ورد الأمر إلى مشيئة اللّه وحدها ، تنسكب في القلب الطمأنينة ، ويعرف المتجه الوحيد الذي يطلب عنده ما يرغب ، ويتقي عنده ما يرهب ، ويسكن تجاه الفواعل والمؤثرات والأسباب الظاهرة التي لا حقيقة لها ولا وجود! وهذه هي مدارج الطريق التي حاولها المتصوفة ، فجذبتهم إلى بعيد! ذلك أن الإسلام يريد من الناس أن يسلكوا الطريق إلى هذه الحقيقة وهم يكابدون الحياة الواقعية بكل خصائصها ، ويزاولون الحياة البشرية ، والخلافة الأرضية بكل مقوّماتها ، شاعرين مع هذا أن لا حقيقة إلا اللّه. وأن لا وجود إلا وجوده. وأن لا فاعلية إلا فاعليته .. ولا يريد طريقا غير هذا الطريق!

من هنا ينبثق منهج كامل للحياة ، قائم على ذلك التفسير وما يشيعه في النفس من تصورات ومشاعر واتجاهات:

منهج لعبادة اللّه وحده. الذي لا حقيقة لوجود إلا وجوده ، ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعليته ، ولا أثر لإرادة إلا إرادته.

ومنهج للاتجاه إلى اللّه وحده في الرغبة والرهبة. في السراء والضراء. في النعماء والبأساء. وإلا فما جدوى التوجه إلى غير موجود وجودا حقيقيا ، وإلى غير فاعل في الوجود أصلا؟! ومنهج للتلقي عن اللّه وحده. تلقي العقيدة والتصور والقيم والموازين ، والشرائع والقوانين والأوضاع والنظم ، والآداب والتقاليد. فالتلقي لا يكون إلا عن الوجود الواحد والحقيقة المفردة في الواقع وفي الضمير.

ومنهج للتحرك والعمل للّه وحده .. ابتغاء القرب من الحقيقة ، وتطلعا إلى الخلاص من الحواجز المعوقة والشوائب المضللة. سواء في قرارة النفس أو فيما حولها من الأشياء والنفوس. ومن بينها حاجز الذات ، وقيد الرغبة والرهبة لشيء من أشياء هذا الوجود! ومنهج يربط - مع هذا - بين القلب البشري وبين كل موجود برباط الحب والأنس والتعاطف والتجاوب.

فليس معنى الخلاص من قيودها هو كراهيتها والنفور منها والهروب من مزاولتها .. فكلها خارجة من يد اللّه وكلها تستمد وجودها من وجوده ، وكلها تفيض عليها أنوار هذه الحقيقة. فكلها إذن حبيب ، إذ كلها هدية من الحبيب!

(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 4003)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام