فهرس الكتاب
الصفحة 73 من 491

منهج القرآن الكريم في الكلام عما جرى للمسلمين من أحداث[1]

«وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ، واللّه سميع عليم. إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا ، واللّه وليهما ، وعلى اللّه فليتوكل المؤمنون» ..

هكذا يبدأ باستعادة المشهد الأول للمعركة واستحضاره - وقد كان قريبا من نفوس المخاطبين الأولين بهذا القرآن ومن ذاكرتهم. ولكن ابتداء الحديث على هذا النحو ، واستحضار المشهد الأول بهذا النص ، من شأنه أن يعيد المشهد بكل حرارته وبكل حيويته وأن يضيف إليه ما وراء المشهد المنظور - الذي يعرفونه - من حقائق أخرى لا يتضمنها المشهد المنظور. وأولها حقيقة حضور اللّه - سبحانه - معهم ، وسمعه وعلمه بكل ما كان وما دار بينهم. وهي الحقيقة التي تحرص التربية القرآنية على استحضارها وتقريرها وتوكيدها وتعميقها في التصور الإسلامي. وهي هي الحقيقة الأساسية الكبيرة ، التي أقام عليها الإسلام منهجه التربوي. والتي لا يستقيم ضمير على المنهج الإسلامي ، بكل تكاليفه ، إلا أن تستقر فيه هذه الحقيقة بكل قوتها ، وبكل حيويتها كذلك: «وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ .. وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ..» ..

والإشارة هنا إلى غدو النبي - صلى اللّه عليه وسلم - من بيت عائشة - رضي اللّه عنها - وقد لبس لأمته ودرعه بعد التشاور في الأمر ، وما انتهى إليه من عزم على الخروج من المدينة للقاء المشركين خارجها .. وما أعقب هذا من تنظيم الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - للصفوف ، ومن أمر للرماة باتخاذ موقفهم على الجبل ..

وهو مشهد يعرفونه ، وموقف يتذكرونه .. ولكن الحقيقة الجديدة فيه هي هذه: «وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» ..

ويا له من مشهد ، اللّه حاضره! ويا له من موقف ، اللّه شاهده! ويا لها من رهبة إذن ومن روعة تحف به ، وتخالط كل ما دار فيه من تشاور. والسرائر مكشوفة فيه للّه. وهو يسمع ما تقوله الألسنة ويعلم ما تهمس به الضمائر.

واللمسة الثانية في هذا المشهد الأول ، هي حركة الضعف والفشل التي راودت قلوب طائفتين من المسلمين بعد تلك الحركة الخائنة التي قام بها رأس النفاق «عبد اللّه بن أبي بن سلول» حين انفصل بثلث الجيش ، مغضبا أن الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - لم يأخذ برأيه ، واستمع إلى شباب أهل المدينة! وقال: «لو نعلم قتالا لاتبعناكم!» فدل بهذا على أن قلبه لم يخلص للعقيدة وأن شخصه ما يزال يملأ قلبه

(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 467)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام