فهرس الكتاب
الصفحة 109 من 491

المواريث والتكافل الاجتماعي في الإسلام[1]

«آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً. فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً» ..

واللمسة الأولى لفتة قرآنية لتطييب النفوس تجاه هذه الفرائض. فهنالك من تدفعهم عاطفتهم الأبوية إلى إيثار الأبناء على الآباء ، لأن الضعف الفطري تجاه الأبناء أكبر. وفيهم من يغالب هذا الضعف بالمشاعر الأدبية والأخلاقية فيميل إلى إيثار الآباء. وفيهم من يحتار ويتأرجح بين الضعف الفطري والشعور الأدبي .. كذلك قد تفرض البيئة بمنطقها العرفي اتجاهات معينة كتلك التي واجه بها بعضهم تشريع الإرث يوم نزل ، وقد أشرنا إلى بعضها من قبل .. فأراد اللّه سبحانه أن يسكب في القلوب كلها راحة الرضى والتسليم لأمر اللّه ، ولما يفرضه اللّه بإشعارها أن العلم كله للّه وأنهم لا يدرون أي الأقرباء أقرب لهم نفعا ، ولا أي القسم أقرب لهم مصلحة: «آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً» ..

واللمسة الثانية لتقرير أصل القضية. فالمسألة ليست مسألة هوى أو مصلحة قريبة. إنما هي مسألة الدين ومسألة الشريعة: «فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ» ..

فاللّه هو الذي خلق الآباء والأبناء. واللّه هو الذي أعطى الأرزاق والأموال. واللّه هو الذي يفرض ، وهو الذي يقسم ، وهو الذي يشرع. وليس للبشر أن يشرعوا لأنفسهم ، ولا أن يحكموا هواهم ، كما أنهم لا يعرفون مصلحتهم!

«إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً» ..وهي اللمسة الثالثة في هذا التعقيب. تجيء لتشعر القلوب بأن قضاء اللّه للناس - مع أنه هو الأصل الذي لا يحل لهم غيره - فهو كذلك المصلحة المبنية على العلم والحكمة. فاللّه يحكم لأنه عليم - وهم لا يعلمون - واللّه يفرض لأنه حكيم - وهم يتبعون الهوى.

وهكذا تتوالى هذه التعقيبات قبل الانتهاء من أحكام الميراث ، لرد الأمر إلى محوره الأصيل. محوره الاعتقادي. الذي يحدد معنى «الدين» فهو الاحتكام إلى اللّه. وتلقي الفرائض منه. والرضى بحكمه: «فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً» ..

توكيد بعد توكيد للقاعدة الأساسية في هذه العقيدة. قاعدة التلقي من اللّه وحده ، وإلا فهو الكفر والعصيان والخروج من هذا الدين.

(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 593)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام