فهرس الكتاب
الصفحة 290 من 491

منهج القرآن في مناقشة المشركين[1]

«سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا ، وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْ ءٍ. كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا. قُلْ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا؟ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ، وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ. قُلْ: فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ، فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ» :

وقضية الجبر والاختيار كثر فيها الجدل في تاريخ الفكر الإسلامي بين أهل السنة والمعتزلة والمجبرة والمرجئة ...

وتدخلت الفلسفة الإغريقية والمنطق الإغريقي واللاهوت المسيحي في هذا الجدل ، فتعقد تعقيدا لا تعرفه العقلية الإسلامية الواضحة الواقعية .. ولو أخذ الأمر بمنهج القرآن المباشر الميسر الجاد ، ما اشتد هذا الجدل ، وما سار في ذلك الطريق الذي سار فيه.

ونحن نواجه قول المشركين هذا والرد القرآني عليه ، فنجد قضية واضحة بسيطة محددة:

«سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْ ءٍ» .. فهم يحيلون شركهم هم وآباؤهم ، وتحريمهم ما حرموه مما لم يحرمه اللّه ، وادعاءهم أن هذا من شرع اللّه بغير علم ولا دليل ..

يحيلون هذا كله على مشيئة اللّه بهم. فلو شاء اللّه ما أشركوا ولا حرموا ..

فكيف واجه القرآن الكريم هذه المقولة؟

لقد واجهها بأنهم كذبوا كما كذب الذين من قبلهم ، وقد ذاق المكذبون من قبلهم بأس اللّه. وبأس اللّه ينتظر المكذبين الجدد: «كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا» ..

وهذه هي الهزة التي قد تحرك المشاعر ، وتوقظ من الغفلة ، وتوجه إلى العبرة ..

واللمسة الثانية كانت بتصحيح منهج الفكر والنظر .. إن اللّه أمرهم بأوامر ونهاهم عن محظورات .. وهذا ما يملكون أن يعلموه علما مستيقنا .. فأما مشيئة اللّه فهي غيب لا وسيلة لهم إليه ، فكيف يعلمونه؟ وإذا لم يعلموه يقينا فكيف يحيلون عليه:

«قُلْ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا؟ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ» ..

إن للّه أوامر ونواهي معلومة علما قطعيا ، فلما ذا يتركون هذه المعلومات القطعية ، ليمضوا وراء الحدس والخرص في واد لا يعلمونه؟

(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1226)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام