«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» ..
فنجد أمرا بقتال الذين يلون المسلمين من الكفار. لا يذكر فيه أن يكونوا معتدين على المسلمين ولا على ديارهم .. وندرك أن هذا هو الأمر الأخير ، الذي يجعل «الانطلاق» بهذا الدين هو الأصل الذي ينبثق منه مبدأ الجهاد ، وليس هو مجرد «الدفاع» كما كانت الأحكام المرحلية أول العهد بإقامة الدولة المسلمة في المدينة.
ويريد بعض الذين يتحدثون اليوم عن العلاقات الدولية في الإسلام ، وعن أحكام الجهاد في الإسلام ، وبعض الذين يتعرضون لتفسير آيات الجهاد في القرآن .. أن يتلمسوا لهذا النص النهائي الأخير قيدا من النصوص المرحلية السابقة فيقيدوه بوقوع الاعتداء أو خوف الاعتداء! والنص القرآني بذاته مطلق ، وهو النص الأخير! وقد عودنا البيان القرآني عند إيراد الأحكام ، أن يكون دقيقا في كل موضع وألا يحيل في موضع على موضع بل يتخير اللفظ المحدد ويسجل التحفظات والاستثناءات والقيود والتخصيصات في ذات النص. إن كان هناك تحفظ أو استثناء أو تقييد أو تخصيص.
ولقد سبق لنا في تقديم السورة في الجزء العاشر ، وفي تقديم آيات القتال مع المشركين والقتال مع أهل الكتاب ، أن فصلنا القول في دلالة النصوص والأحكام المرحلية والنصوص والأحكام النهائية على طبيعة المنهج الحركي للإسلام فحسبنا ما ذكرناه هناك .
إلا أن الذين يكتبون اليوم عن العلاقات الدولية في الإسلام ، وعن أحكام الجهاد في الإسلام ، والذين يتصدون لتفسير الآيات المتضمنة لهذه الأحكام ، يتعاظمهم ويهولهم أن تكون هذه هي أحكام الإسلام!
وأن يكون اللّه - سبحانه - قد أمر الذين آمنوا أن يقاتلوا الذين يلونهم من الكفار ، وأن يظلوا يقاتلون من يلونهم من الكفار ، كلما وجد هناك من يلونهم من الكفار! ..
يتعاظمهم ويهولهم أن يكون الأمر الإلهي هكذا ، فيروحون يتلمسون القيود للنصوص المطلقة ويجدون هذه القيود في النصوص المرحلية السابقة! إننا نعرف لماذا يهولهم هذا الأمر ويتعاظمهم على هذا النحو ..
إنهم ينسون أن الجهاد في الإسلام جهاد في «سبيل اللّه» .. جهاد لتقرير ألوهية اللّه في الأرض وطرد الطواغيت المغتصبة لسلطان اللّه .. جهاد لتحرير «الإنسان» من العبودية لغير اللّه ، ومن فتنته بالقوة عن
(1) - - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1737)