الدينونة للّه وحده والانطلاق من العبودية للعباد .. «حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ» .. وأنه ليس جهادا لتغليب مذهب بشري على مذهب بشري مثله. إنما هو جهاد لتغليب منهج اللّه على مناهج العبيد!
وليس جهادا لتغليب سلطان قوم على سلطان قوم ، إنما هو جهاد لتغليب سلطان اللّه على سلطان العبيد! وليس جهادا لإقامة مملكة لعبد ، إنما هو جهاد لإقامة مملكة اللّه في الأرض .. ومن ثم ينبغي له أن ينطلق في «الأرض» كلها ، لتحرير «الإنسان» كله. بلا تفرقة بين ما هو داخل في حدود الإسلام وبين ما هو خارج عنها .. فكلها «أرض» يسكنها «الإنسان» وكلها فيها طواغيت تعبد العباد للعباد!
وحين ينسون هذه الحقيقة يهولهم طبعا أن ينطلق منهج ليكتسح كل المناهج ، وأن تنطلق أمة لتخضع سائر الأمم .. إنها في هذا الوضع لا تستساغ! وهي فعلا لا تستساغ! .. لولا أن الأمر ليس كذلك. وليس له شبيه فيما بين أنظمة البشر اليوم من إمكان التعايش! إنها كلها اليوم أنظمة بشرية. فليس لواحد منها أن يقول:
إنه هو وحده صاحب الحق في البقاء! وليس الحال كذلك في نظام إلهي يواجه أنظمة بشرية ليبطل هذه الأنظمة كلها ويدمرها كي يطلق البشر جميعا من ذلة العبودية للعباد ويرفع البشر جميعا إلى كرامة العبودية للّه وحده بلا شريك!
ثم إنه يهولهم الأمر ويتعاظمهم لأنهم يواجهون هجوما صليبيا منظما لئيما ماكرا خبيثا يقول لهم: إن العقيدة الإسلامية قد انتشرت بالسيف ، وأن الجهاد كان لإكراه الآخرين على العقيدة الإسلامية وانتهاك حرمة حرية الاعتقاد! والمسألة على هذا الوضع لا تكون مستساغة .. لولا أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق .. إن الإسلام يقوم على قاعدة: «لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ» .. ولكن لماذا ينطلق إذن بالسيف مجاهدا ولما ذا اشترى اللّه من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة «يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ» ؟ .. إنه لأمر آخر غير الإكراه على العقيدة كان هذا الجهاد .. بل لأمر مناقض تماما للإكراه على العقيدة .. إنه لضمان حرية الاعتقاد كان هذا الجهاد! ..
لأن الإسلام كإعلان عام لتحرير «الإنسان» في «الأرض» من العبودية للعباد يواجه دائما طواغيت في الأرض يخضعون العباد للعباد. ويواجه دائما أنظمة تقوم على أساس دينونة العبيد للعبيد تحرس هذه الأنظمة قوة الدولة أو قوة الدولة أو قوة تنظيمية في صورة من الصور وتحول دون الناس في داخلها ودون سماع الدعوة الإسلامية كما تحول دونهم ودون اعتناق العقيدة إذا ارتضتها نفوسهم ، أو تفتنهم عنها بشتى الوسائل .. وفي هذا يتمثل انتهاك حرية الاعتقاد بأقبح أشكاله ..