فهرس الكتاب
الصفحة 407 من 491

متى نكون أوصياء على البشرية ؟[1]

«وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ» .. وهو تعبير شامل جامع دقيق ، يصور تكليفا ضخما ، يحتاج إلى تلك التعبئة وهذه الذخيرة وذلك الإعداد ..

«وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ» .. والجهاد في سبيل اللّه يشمل جهاد الأعداء ، وجهاد النفس ، وجهاد الشر والفساد .. كلها سواء ..

«وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ» .. فقد انتدبكم لهذه الأمانة الضخمة ، واختاركم لها من بين عباده: «هُوَ اجْتَباكُمْ» .. وإن هذا الاختيار ليضخم التبعة ، ولا يجعل هنالك مجالا للتخلي عنها أو الفرار! وإنه لإكرام من اللّه لهذه الأمة ينبغي أن يقابل منها بالشكر وحسن الأداء! وهو تكليف محفوف برحمة اللّه: «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» .. وهذا الدين كله بتكاليفه وعباداته وشرائعه ملحوظ فيه فطرة الإنسان وطاقته. ملحوظ فيه تلبيته تلك الفطرة. وإطلاق هذه الطاقة ، والاتجاه بها إلى البناء والاستعلاء. فلا تبقى حبيسة كالبخار المكتوم. ولا تنطلق انطلاق الحيوان الغشيم! وهو منهج عريق أصيل في ماضي البشرية ، موصول الماضي بالحاضر: «مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ» وهو منبع التوحيد الذي اتصلت حلقاته منذ عهد إبراهيم - عليه السلام - فلم تنقطع من الأرض ، ولم تفصل بينها فجوات مضيعة لمعالم العقيدة كالفجوات التي كانت بين الرسالات قبل إبراهيم عليه السلام.

وقد سمى اللّه هذه الأمة الموحدة بالمسلمين. سماها كذلك من قبل وسماها كذلك في القرآن: «هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا» ..

والإسلام إسلام الوجه والقلب للّه وحده بلا شريك. فكانت الأمة المسلمة ذات منهج واحد على تتابع الأجيال والرسل والرسالات. حتى انتهى بها المطاف إلى أمة محمد - صلى اللّه عليه وسلم - وحتى سلمت إليها الأمانة ، وعهد إليها بالوصاية على البشرية. فاتصل ماضيها بحاضرها بمستقبلها كما أرادها اللّه: «لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ» .. فالرسول - صلى اللّه عليه وسلم - يشهد على هذه الأمة ، ويحدد نهجها واتجاهها ، ويقرر صوابها وخطأها. وهي تشهد على الناس بمثل هذا ، فهي القوّامة على البشرية بعد نبيها وهي الوصية على الناس بموازين شريعتها ، وتربيتها وفكرتها عن الكون والحياة. ولن تكون كذلك إلا وهي أمينة على منهجها العريق المتصل الوشائج ، المختار من اللّه.

ولقد ظلت هذه الأمة وصية على البشرية طالما استمسكت بذلك المنهج الإلهي وطبقته في حياتها الواقعية.

(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2446)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام