«إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً» ..وهو الذي شرع العقوبة ، وهو الذي يأمر بالكف عنها عند التوبة والإصلاح. ليس للناس من الأمر شيء في الأولى ، وليس لهم من الأمر شيء في الأخيرة. إنما هم ينفذون شريعة اللّه وتوجيهه. وهو تواب رحيم.
يقبل التوبة ويرحم التائبين.
واللمسة الثانية في هذه الإيماءة ، هي توجيه قلوب العباد للاقتباس من خلق اللّه والتعامل فيما بينهم بهذا الخلق. وإذا كان اللّه توابا رحيما ، فينبغي لهم أن يكونوا هم فيما بينهم متسامحين رحماء أمام الذنب الذي سلف ، وأعقبه التوبة والإصلاح. إنه ليس تسامحا في الجريمة ، وليس رحمة بالفاحشين. فهنا لا تسامح ولا رحمة. ولكن سماحة ورحمة بالتائبين المتطهرين المصلحين ، وقبولهم في المجتمع ، وعدم تذكيرهم وتعييرهم بما كان منهم من ذنب تابوا عنه ، وتطهروا منه ، وأصلحوا حالهم بعده ، فينبغي - حينئذ - مساعدتهم على استئناف حياة طيبة نظيفة كريمة ، ونسيان جريمتهم حتى لا تثير في نفوسهم التأذي كلما واجهوا المجتمع بها مما قد يحمل بعضهم على الانتكاس والارتكاس ، واللجاج في الخطيئة ، وخسارة أنفسهم في الدنيا والآخرة.
والإفساد في الأرض ، وتلويث المجتمع ، والنقمة عليه في ذات الأوان.
وقد عدلت هذه العقوبة كذلك - فيما بعد - فروى أهل السنن حديثا مرفوعا عن ابن عباس - رضي اللّه عنهما - قال: (قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم -: «من رأيتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» ) .
وتبدو في هذه الأحكام عناية المنهج الإسلامي بتطهير المجتمع المسلم من الفاحشة ولقد جاءت هذه العناية مبكرة: فالإسلام لم ينتظر حتى تكون له دولة في المدينة ، وسلطة تقوم على شريعة اللّه ، وتتولاها بالتنفيذ.
فقد ورد النهي عن الزنا في سورة الإسراء المكية: «وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا» كما ورد في سورة المؤمنون: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ» ... «وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ» .. وكرر هذا القول في سورة المعارج.
(1) -فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 600)