فهرس الكتاب
الصفحة 417 من 491

طبيعة الذين لا يؤمنون بمنهج الله[1]

«قالُوا: ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا» .. «وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْ ءٍ» .. «إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ» ..

وهذا الاعتراض المتكرر على بشرية الرسل تبدو فيه سذاجة التصور والإدراك ، كما يبدو فيه الجهل بوظيفة الرسول. فقد كانوا يتوقعون دائما أن يكون هناك سر غامض في شخصية الرسول وحياته تكمن وراءه الأوهام والأساطير .. أليس رسول السماء إلى الأرض فكيف لا تحيط به الأوهام والأساطير؟ كيف يكون شخصية مكشوفة بسيطة لا أسرار فيها ولا ألغاز حولها؟! شخصية بشرية عادية من الشخصيات التي تمتلئ بها الأسواق والبيوت؟! وهذه هي سذاجة التصور والتفكير. فالأسرار والألغاز ليست صفة ملازمة للنبوة والرسالة. وليست في هذه الصورة الساذجة الطفولية. وإن هنالك لسرا هائلا ضخما ، ولكنه يتمثل في الحقيقة البسيطة الواقعة. حقيقة إيداع إنسان من هؤلاء البشر الاستعداد اللدني الذي يتلقى به وحي السماء ، حين يختاره اللّه لتلقي هذا الوحي العجيب. وهو أعجب من أن يكون الرسول ملكا كما كانوا يقترحون! والرسالة منهج إلهي تعيشه البشرية. وحياة الرسول هي النموذج الواقعي للحياة وفق ذلك المنهج الإلهي.

النموذج الذي يدعو قومه إلى الاقتداء به. وهم بشر. فلا بد أن يكون رسولهم من البشر ليحقق نموذجا من الحياة يملكون هم أن يقلدوه.

ومن ثم كانت حياة الرسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - معروضة لأنظار أمته. وسجل القرآن - كتاب اللّه الثابت - المعالم الرئيسية في هذه الحياة بأصغر تفصيلاتها وأحداثها ، بوصفها تلك الصفحة المعروضة لأنظار أمته على مدار السنين والقرون. ومن هذه التفصيلات حياته المنزلية والشخصية. حتى خطرات قلبه سجلها القرآن في بعض الأحيان ، لتطلع عليها الأجيال وترى فيها قلب ذلك النبي الإنسان.

ولكن هذه الحقيقة الواضحة القريبة هي التي ظلت موضع الاعتراض من بني الإنسان! ولقد قال أهل تلك القرية لرسلهم الثلاثة: «ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا» .. وقصدوا أنكم لستم برسل .. «وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْ ءٍ» .. مما تدعون أنه نزله عليكم من الوحي والأمر بأن تدعونا إليه. «إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ» ..

وتدعون أنكم مرسلون! وفي ثقة المطمئن إلى صدقه ، العارف بحدود وظيفته أجابهم الرسل: الُوا: رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ. وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ»..

(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (5 / 2961)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام