وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ (156) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)
بعد تقرير القبلة ، وإفراد الأمة المسلمة بشخصيتها المميزة ، التي تتفق مع حقيقة تصورها المميزة كذلك ..
كان أول توجيه لهذه الأمة ذات الشخصية الخاصة والكيان الخاص ، هذه الأمة الوسط الشهيدة على الناس ..
كان أول توجيه لهذه الأمة هو الاستعانة بالصبر والصلاة على تكاليف هذا الدور العظيم. والاستعداد لبذل التضحيات التي يتطلبها هذا الدور من استشهاد الشهداء ، ونقص الأموال والأنفس والثمرات ، والخوف والجوع ، ومكابدة أهوال الجهاد لإقرار منهج اللّه في الأنفس ، وإقراره في الأرض بين الناس. وربط قلوب هذه الأمة باللّه ، وتجردها له ، ورد الأمور كلها إليه .. كل أولئك في مقابل رضى اللّه ورحمته وهدايته ، وهي وحدها جزاء ضخم للقلب المؤمن ، الذي يدرك قيمة هذا الجزاء ..
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ. إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» ..
يتكرر ذكر الصبر في القرآن كثيرا ذلك أن اللّه سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي تقتضيه الاستقامة على الطريق بين شتى النوازع والدوافع والذي يقتضيه القيام على دعوة اللّه في الأرض بين شتى الصراعات والعقبات والذي يتطلب أن تبقى النفس مشدودة الأعصاب ، مجندة القوى ، يقظة للمداخل والمخارج ..يقرن الصلاة إلى الصبر فهي المعين الذي لا ينضب ، والزاد الذي لا ينفد. المعين الذي يجدد الطاقة ، والزاد الذي يزود القلب فيمتد حبل الصبر ولا ينقطع. ثم يضيف إلى الصبر ، الرضى والبشاشة ، والطمأنينة ، والثقة ، واليقين.
إنه لا بد للإنسان الفاني الضعيف المحدود أن يتصل بالقوة الكبرى ، يستمد منها العون حين يتجاوز الجهد قواه المحدودة. حينما تواجهه قوى الشر الباطنة والظاهرة. حينما يثقل عليه جهد الاستقامة على الطريق بين دفع الشهوات وإغراء المطامع ، وحينما تثقل عليه مجاهدة الطغيان والفساد وهي عنيفة. حينما يطول به الطريق وتبعد به الشقة في عمره المحدود ، ثم ينظر فإذا هو لم يبلغ شيئا وقد أوشك المغيب ، ولم ينل شيئا وشمس العمر تميل للغروب. حينما يجد الشر نافشا والخير ضاويا ، ولا شعاع في الأفق ولا معلم في الطريق ..
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 141)