فهرس الكتاب
الصفحة 451 من 491

إقامة منهج الله في الأرض وتبعته[1]

«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ» ..

فليس هو مجرد القتال. ولكنه هو القتال في سبيله. والقتال في تضامن مع الجماعة المسلمة داخل الصف.

والقتال في ثبات وصمود «صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ» ..

إن القرآن - كما قلنا في مناسبات متعددة في هذا الجزء - كان يبني أمة. كان يبنيها لتقوم على أمانة دينه في الأرض ، ومنهجه في الحياة ، ونظامه في الناس. ولم يكن بد أن يبني نفوسها أفرادا ويبنيها جماعة ، ويبنيها عملا واقعا .. كلها في آن واحد .. فالمسلم لا يبنى فردا إلا في جماعة. ولا يتصور الإسلام قائما إلا في محيط جماعة منظمة ذات ارتباط ، وذات نظام ، وذات هدف جماعي منوط في الوقت ذاته بكل فرد فيها. هو إقامة هذا المنهج الإلهي في الضمير وفي العمل مع إقامته في الأرض. وهو لا يقوم في الأرض إلا في مجتمع يعيش ويتحرك ويعمل وينتج في حدود ذلك المنهج الإلهي.

والإسلام على شدة ما عني بالضمير الفردي وبالتبعة الفردية - ليس دين أفراد منعزلين ، كل واحد منهم يعبد اللّه في صومعة .. إن هذا لا يحقق الإسلام في ضمير الفرد ذاته ، ولا يحققه بطبيعة الحال في حياته.

ولم يجئ الإسلام لينعزل هذه العزلة. إنما جاء ليحكم حياة البشرية ويصرفها. ويهيمن على كل نشاط فردي وجماعي في كل اتجاه. والبشرية لا تعيش أفرادا إنما تعيش جماعات وأمما. والإسلام جاء ليحكمها وهي كذلك.

وهو مبني على أساس أن البشر يعيشون هكذا. ومن ثم فإن آدابه وقواعده ونظمه كلها مصوغة على هذا الأساس.

وحين يوجه اهتمامه إلى ضمير الفرد فهو يصوغ هذا الضمير على أساس أنه يعيش في جماعة. وهو والجماعة التي يعيشون فيها يتجهون إلى اللّه ، ويقوم - فيها - على أمانة دينه في الأرض ، ومنهجه في الحياة ، ونظامه في الناس.

ومنذ اليوم الأول للدعوة قام مجتمع إسلامي - أو جماعة مسلمة - ذات قيادة مطاعة هي قيادة مطاعة هي قيادة رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - وذات التزامات جماعية بين أفرادها ، وذات كيان يميزها عن سائر الجماعات حولها ، وذات آداب تتعلق بضمير الإنسان مراعى فيها - في الوقت ذاته - حياة هذه

(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (6 / 3552)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام