«وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي ، فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ. فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ، وَلْيُؤْمِنُوا بِي ، لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» ..
فإني قريب .. أجيب دعوة الداع إذا دعان .. أية رقة؟ وأي انعطاف؟ وأية شفافية؟ وأي إيناس؟ وأين تقع مشقة الصوم ومشقة أي تكليف في ظل هذا الود ، وظل هذا القرب ، وظل هذا الإيناس؟
وفي كل لفظ في التعبير في الآية كلها تلك النداوة الحبيبة: «وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ. أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ» ..
إضافة العباد إليه ، والرد المباشر عليهم منه .. لم يقل: فقل لهم: إني قريب .. إنما تولى بذاته العلية الجواب على عباده بمجرد السؤال .. قريب .. ولم يقل أسمع الدعاء .. إنما عجل بإجابة الدعاء: «أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ» ..
إنها آية عجيبة .. آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة ، والود المؤنس ، والرضى المطمئن ، والثقة واليقين .. ويعيش منها المؤمن في جناب رضيّ ، وقربى ندية ، وملاذ أمين وقرار مكين.
وفي ظل هذا الأنس الحبيب ، وهذا القرب الودود ، وهذه الاستجابة الوحية .. يوجه اللّه عباده إلى الاستجابة له ، والإيمان به ، لعل هذا أن يقودهم إلى الرشد والهداية والصلاح.
«فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي ، وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» ..
فالثمرة الأخيرة من الاستجابة والإيمان هي لهم كذلك .. وهي الرشد والهدى والصلاح. فاللّه غني عن العالمين.
والرشد الذي ينشئه الإيمان وتنشئه الاستجابة للّه هو الرشد. فالمنهج الإلهي الذي اختاره اللّه للبشر هو المنهج الوحيد الراشد القاصد وما عداه جاهلية وسفه لا يرضاه راشد ، ولا ينتهي إلى رشاد. واستجابة اللّه للعباد مرجوة حين يستجيبون له هم ويرشدون. وعليهم أن يدعوه ولا يستعجلوه. فهو يقدر الاستجابة في وقتها بتقديره الحكيم.
عَنْ سَلْمَانَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْعَبْدِ أَنْ يَرْفَعَ إِلَيْهِ يَدَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا خَائِبَتَيْنِ.". [2] "
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 173)
(2) - صحيح ابن حبان - (3 / 162) (880) صحيح