«وَقُلْ: إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ» .. تلك القولة التي قالها كل رسول لقومه ومنهم بقايا الأقوام التي جاءها أولئك الرسل بتلك النذارة البينة التي جئت بها قومك .. وكان منهم في الجزيرة العربية اليهود والنصارى
ولكن هذه البقايا لم تكن تتلقى هذا القرآن بالتسليم الكامل ، إنما كانت تقبل بعضه وترفض بعضه ، وفق الهوى ووفق التعصب وهؤلاء هم الذين يسميهم اللّه هنا: «الْمُقْتَسِمِينَ ، الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ» ..
«كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ. فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ»
وهذه السورة مكية. ولكن الخطاب بالقرآن كان عاما للبشر. ومن البشر هؤلاء المقتسمون الذين جعلوا القرآن عضين (و العضة: الجزء. من عضى الشاة أي فصل بين أعضائها) .. وهم مسؤولون عن هذه التفرقة.
وقد جاءهم القرآن بالنذارة البينة ، كما جاءتهم كتبهم من قبل. ولم يكن أمر القرآن ولا أمر النبي بدعا لا عهد لهم به. فقد أنزل اللّه عليهم مثله ، فكان أولى أن يستقبلوا الجديد من كتاب اللّه بالقبول والتسليم
وحين يصل السياق إلى هذا الحد ، يتجه بالخطاب إلى الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - أن يمضي في طريقه.
يجهر بما أمره اللّه أن يبلغه. ويسمي هذا الجهر صدعا - أي شقا - دلالة على القوة والنفاذ. لا يقعده عن الجهر والمضي شرك مشرك فسوف يعلم المشركون عاقبة أمرهم. ولا استهزاء مستهزئ فقد كفاه اللّه شر المستهزئين: «فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ، الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ» ..
والرسول - صلى اللّه عليه وسلم - بشر لا يملك نفسه أن يضيق صدره وهو يسمع الشرك باللّه ، ويسمع الاستهزاء بدعوة الحق. فيغار على الدعوة ويغار على الحق ، ويضيق بالضلال والشرك. لهذا يؤمر أن يسبح بحمد ربه ويعبده ، ويلوذ بالتسبيح والحمد والعبادة من سوء ما يسمع من القوم. ولا يفتر عن التسبيح بحمد ربه طوال الحياة ، حتى يأتيه اليقين الذي ما بعده يقين .. الأجل .. فيمضي إلى جوار ربه الكريم: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ. وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ» .
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (4 / 2155)