«فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ ، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» .
فإليه تنتهي القوة والملك والعظمة والجاه ، وهو حسب من لاذ به وحسب من والاه.
إنه ختام سورة القتال والجهاد: الارتكان إلى اللّه وحده ، والاعتماد على اللّه وحده ، واستمداد القوة من اللّه وحده .. «وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» ..
وبعد فإن هذه السورة المحكمة تحتوي بيان الأحكام النهائية في العلاقات الدائمة بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات حوله - كما بينا في خلال عرضها وتقديمها - ومن ثم ينبغي أن يرجع إلى نصوصها الأخيرة بوصفها الكلمة الأخيرة في تلك العلاقات وأن يرجع إلى أحكامها بوصفها الأحكام النهائية المطلقة ، حسبما تدل عليها نصوص السورة. كما ينبغي ألا تقيد هذه النصوص والأحكام النهائية بنصوص وأحكام وردت من قبل - وهي التي سميناها أحكاما مرحلية - مستندين في هذه التسمية: أولا وبالذات إلى ترتيب نزول الآيات.
ومستندين أخيرا إلى سير الأحداث في الحركة الإسلامية ، وإدراك طبيعة المنهج الإسلامي في هذه الحركة ..
هذه الطبيعة التي بيناها في التقديم للسورة وفي ثناياها كذلك ..
وهذا هو المنهج الذي لا يدركه إلا الذين يتحركون بهذا الدين حركة جهادية لتقرير وجوده في واقع الحياة برد الناس إلى ربوبية اللّه وحده ، وإخراجهم من عبادة العباد! إن هنالك مسافة شاسعة بين فقه الحركة ، وفقه الأوراق! إن فقه الأوراق يغفل الحركة ومقتضياتها من حسابه ، لأنه لا يزاولها ولا يتذوقها!
أما فقه الحركة فيرى هذا الدين وهو يواجه الجاهلية ، خطوة خطوة ، ومرحلة مرحلة ، وموقفا وقفا. ويراه وهو يشرع أحكامه في مواجهة الواقع المتحرك ، بحيث تجيء مكافئة لهذا الواقع وحاكمة عليه ومتجددة بتجدده كذلك!
وأخيرا فإن تلك الأحكام النهائية الواردة في السورة الأخيرة إنما جاءت وواقع المجتمع المسلم ، وواقع الجاهلية من حوله كذلك ، كلاهما يحتم اتخاذ تلك الإجراءات وتنفيذ تلك الأحكام .. فأما حين كان
(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1743)