القرآن! ألا وإني قد وعظت وأمرت ونهيت عن أشياء ، إنها لمثل القرآن أو أكثر. وإن اللّه لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ، ولا ضرب نسائهم ، ولا أكل ثمارهم ، إذا أعطوا الذي عليهم».
ورفع إليه - صلى اللّه عليه وسلم - بعد إحدى المواقع أن صبية قتلوا بين الصفوف ، فحزن حزنا شديدا ، فقال بعضهم: ما يحزنك يا رسول اللّه وهم صبية للمشركين فغضب النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وقال - ما معناه - إن هؤلاء خير منكم ، إنهم على الفطرة ، أو لستم أبناء المشركين. فإياكم وقتل الأولاد. إياكم وقتل الأولاد.
وهذه التعليمات النبوية هي التي سار عليها الخلفاء بعده:
روى مالك عن أبي بكر الصديق - رضي اللّه عنه - أنه قال: «ستجدون قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم للّه فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له ، ولا تقتلن امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما» وقال زيد بن وهب: أتانا كتاب عمر - رضي اللّه عنه - وفيه: «لا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تقتلوا وليدا ، واتقوا اللّه في الفلاحين» .
ومن وصاياه! «ولا تقتلوا هرما ولا امرأة ولا وليدا ، وتوقوا قتلهم إذا التقى الزحفان ، وعند شن الغارات» .
وهكذا تتواتر الأخبار بالخط العام الواضح لمستوى المنهج الإسلامي في قتاله لأعدائه ، وفي آدابه الرفيعة ، وفي الرعاية لكرامة الإنسان. وفي قصر القتال على القوى المادية التي تحول بين الناس وبين أن يخرجوا من عبادة العباد إلى عبادة اللّه وحده. وفي اليسر الذي يعامل به حتى أعداءه. أما الغلظة فهي الخشونة في القتال والشدة وليست هي الوحشية مع الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة ، غير المحاربين أصلا وليست تمثيلا بالجثث والأشلاء على طريقة المتبربرين الذين يسمون أنفسهم متحضرين في هذا الزمان. وقد تضمن الإسلام ما فيه الكفاية من الأوامر لحماية غير المحاربين ، ولاحترام بشرية المحاربين. إنما المقصود هو الخشونة التي لا تميع المعركة وهذا الأمر ضروري لقوم أمروا بالرحمة والرأفة في توكيد وتكرار فوجب استثناء حالة الحرب ، بقدر ما تقتضي حالة الحرب ، دون رغبة في التعذيب والتمثيل والتنكيل.