فهرس الكتاب
الصفحة 88 من 491

الدين لا يعمل في حياة الناس بطريقة سحرية[1]

لقد تمخضت المعركة والتعقيب عليها عن حقيقة أساسية كبيرة في طبيعة هذا الدين الذي هو المنهج الإلهي للحياة البشرية ، وفي طريقته في العمل في حياة البشر. وهي حقيقة أولية بسيطة ، ولكنها كثيرا ما تنسى ، أو لا تدرك ابتداء ، فينشأ عن نسيانها أو عدم إدراكها خطأ جسيم في النظر إلى هذا الدين: في حقيقته وفي واقعه التاريخي في حياة الإنسانية ، وفي دوره أمس واليوم وغدا ..

إن بعضنا ينتظر من هذا الدين - ما دام هو المنهج الإلهي للحياة البشرية - أن يعمل في حياة البشر بطريقة سحرية خارقة! دون اعتبار لطبيعة البشر ، ولطاقتهم الفطرية ، ولواقعهم المادي ، في أية مرحلة من مراحل نموهم ، وفي أية بيئة من بيئاتهم! وحين يرون أنه لا يعمل بهذه الطريقة ، وإنما هو يعمل في حدود الطاقة البشرية ، وحدود الواقع المادي للبشر. وأن هذه الطاقة وهذا الواقع يتفاعلان معه ، فيتأثران به في فترات تأثرا واضحا ، أو يؤثران في مدى استجابة الناس له ، وقد يكون تأثير هما مضادا في فترات أخرى فتقعد بالناس ثقلة الطين ، وجاذبية المطامع والشهوات ، دون تلبية هتاف الدين أو الاتجاه معه في طريقه اتجاها كاملا .. حين يرون هذه الظواهر فإنهم يصابون بخيبة أمل لم يكونوا يتوقعونها! - ما دام هذا الدين من عند اللّه - أو يصابون بخلخلة في ثقتهم بجدية المنهج الديني للحياة وواقعيته! أو يصابون بالشك في الدين إطلاقا! وهذه السلسلة من الأخطاء تنشأ كلها من خطأ واحد ، هو عدم إدراك طبيعة هذا الدين ، وطريقته ، أو نسيان هذه الحقيقة الأولية البسيطة.

إن هذا الدين منهج للحياة البشرية ، يتم تحقيقه في حياة البشر بجهد بشري ، في حدود الطاقة البشرية ، ويبدأ في العمل من النقطة التي يكون البشر عندها بالفعل من واقعهم المادي ، ويسير بهم إلى نهاية الطريق ، في حدود جهدهم البشري وطاقتهم البشرية ، ويبلغ بهم أقصى ما تمكنهم طاقتهم وجهدهم من بلوغه.

وميزته الأساسية أنه لا يغفل لحظة ، في أية خطة ، وفي أية خطوة ، عن طبيعة فطرة الإنسان ، وحدود طاقته ، وواقعه المادي أيضا. وأنه في الوقت ذاته يبلغ به - كما تحقق ذلك فعلا في بعض الفترات ، وكما يمكن أن يتحقق دائما كلما بذلت محاولة جادة - ما لم يبلغه وما لا يبلغه أي منهج آخر من صنع البشر على الإطلاق.

ولكن الخطأ كله - كما تقدم - ينشأ من عدم الإدراك لطبيعة هذا الدين أو نسيانها ومن انتظار الخوارق التي لا ترتكن على الواقع البشري والتي تبدل فطرة الإنسان ، وتنشئه نشأة أخرى ، لا علاقة لها بفطرته

(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (1 / 526)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام