فهرس الكتاب
الصفحة 195 من 491

دين خالد ، وشريعة خالدة[1]

إن قول اللّه سبحانه لهذه الأمة: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» ..

يتضمن توحيد المصدر الذي تتلقى منه هذه الأمة منهج حياتها ونظام مجتمعها ، وشرائع ارتباطاتها ومصالحها إلى يوم القيامة ، كما يتضمن استقرار هذا الدين بكل جزئياته الاعتقادية والتعبدية والتشريعية فلا تعديل فيها ولا تغيير فقد اكتمل هذا الدين وتم وانتهى أمره. وتعديل شيء فيه كإنكاره كله لأنه إنكار لما قرره اللّه من تمامه وكماله وهذا الإنكار هو الكفر الذي لا جدال فيه .. أما العدول عنه كله إلى منهج آخر ، ونظام آخر ، وشريعة أخرى فلا يحتاج منا إلى وصف ، فقد وصفه اللّه - سبحانه - في السورة. ولا زيادة بعد وصف اللّه - سبحانه - لمستزيد ..إن هذه الآية تقرر - بما لا مجال للجدال فيه - أنه دين خالد ، وشريعة خالدة. وأن هذه الصورة التي رضيها اللّه للمسلمين دينا هي الصورة الأخيرة .. إنها شريعة ذلك الزمان وشريعة كل زمان وليس لكل زمان شريعة ، ولا لكل عصر دين .. إنما هي الرسالة الأخيرة للبشر ، قد اكتملت وتمت ، ورضيها اللّه للناس دينا.

فمن شاء أن يبدل ، أو يحور أو يغير ، أو يطور! إلى آخر هذه التعبيرات التي تلاك في هذا الزمان ، فليبتغ غير الإسلام دينا .. «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» .

إن هذا المنهج الإلهي المشتمل على التصور الاعتقادي ، والشعائر التعبدية ، والشرائع المنظمة لنشاط الحياة كله يحكم ويصرف ويهيمن على نشاط الحياة كله وهو يسمح للحياة بأن تنمو في إطاره وترتقي وتتطور دون خروج على أصل فيه ولا فرع ، لأنه لهذا جاء ، ولهذا كان آخر رسالة للبشر أجمعين ..

إن تطور الحياة في ظل هذا المنهج لا يعني مجافاتها أو إهمالها لأصل فيه ولا فرع ولكن يعني أن طبيعة المنهج تحتوي كل الإمكانيات التي تسع ذلك التطور بلا خروج على أصل أو فرع. ويعني أن كل تطور في الحياة كان محسوبا حسابه في ذلك المنهج لأن اللّه - سبحانه - لم يكن يخفى عليه - وهو يضع هذا المنهج في صورته الأخيرة ، ويعلن إكماله وارتضاءه للناس دينا - أن هناك تطورات ستقع ، وأن هناك حاجات ستبرز ، وأن هناك مقتضيات ستتطلبها هذه التطورات والحاجات. فلا بد إذن أن يكون هذا المنهج قد احتوى هذه المقتضيات جميعا ..

(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (2 / 833)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام