فهرس الكتاب
الصفحة 294 من 491

مقومات التصور الإسلامي[1]

إن الحقيقة الأولى التي نستلهمها من قصة النشأة الإنسانية ، هي - كما قلنا من قبل - التوافق بين طبيعة الكون ونشأة الكائن الإنساني. والتقدير الإلهي المحيط بالكون والإنسان والذي يجعل هذه النشأة قدرا مرسوما لا فلتة عارضة ، كما يجعل التوافق بينهما هو القاعدة.

والذين لا يعرفون اللّه سبحانه ، ولا يقدرونه حق قدره ، يقيسون أقداره وأفعاله بمقاييسهم البشرية الصغيرة.

فإذا نظروا فوجدوا الكائن الإنساني مخلوقا من مخلوقات هذه الأرض. ووجدوا هذه الأرض ذرة صغيرة كالهباءة في خضم الكون. قالوا: إنه ليس من «المعقول» ! أن يكون وراء نشأة هذا الإنسان قصد فوق أن يكون لهذا الإنسان شأن في نظام الكون! وزعم بعضهم أن وجوده كان فلتة ، وأن الكون من حوله معاد لنشأته ونشأة الحياة جملة! .. وإن هي إلا تخرصات منشؤها قياس أقدار اللّه وأفعاله بمقاييس البشر الصغيرة! وحقا لو كان الإنسان هو الذي له هذا الملك الهائل ما عني بهذه الأرض ، ولا بمثل هذا الكائن يدب عليها! لأن اهتمام الإنسان لا يتسع للعناية بكل شيء في مثل هذا الملك الهائل ولا بتقدير كل شيء فيه وتدبيره ، والتنسيق بين جميع الأشياء فيه .. غير أن اللّه - سبحانه - هو اللّه! هو الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض. هو صاحب هذا الملك الكبير الذي لا يقوم شيء منه إلا برعايته كما أنه لم يوجد منه شيء إلا بمشيئته .. إنما آفة هذا الإنسان ، حين ينحرف عن هدى اللّه ويستقل بهواه - ولو كان يسميه علما! - أن ينسى أنه اللّه. ويتصوره - سبحانه - على هواه! ويقيس أقداره وأفعاله بمقاييس الإنسان الصغيرة! ثم يتبجح فيملي هواه هذا على الحقيقة! يقول سير جيمس جينز - كمثل على التصورات البشرية الضالة الكثيرة - في كتاب: «الكون الغامض» :

«ونحن إذ نقف على أرضنا - تلك الحبيبة الرملية المتناهية في الصغر - نحاول أن نكشف عن طبيعة الكون الذي يحيط بموطننا في الفضاء والزمن ، وعن الغرض من وجوده ، نحس في أول الأمر بما يشبه الذعر والهلع. وكيف لا يكون الكون مخيفا مرعبا ، وهذه أبعاده هائلة لا تستطيع عقولنا إدراك مداها؟ وقد مرت عليه أحقاب طويلة لا يمكن تصورها؟ ويتضاءل إلى جانبها تاريخ الإنسان حتى يبدو وكأنه لمح البصر؟ ..

(1) - فى ظلال القرآن ـ موافقا للمطبوع - (3 / 1270)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام