فهرس الكتاب
الصفحة 295 من 491

وهو مخيف مرعب لما نشعر به من وحدة مرهوبة ، وما نعلمه من ضآلة موطننا في الفضاء. ذلك الموطن الذي لا يزيد على جزء من مليون جزء من إحدى حبيبات الرمال التي في بحار العالم! .. ولكن أخوف ما يخاف العالم من أجله: أنه لا يعنى - كما يلوح - بحياة مثل حياتنا. وكأن عواطفنا ومطامعنا وأعمالنا وفنوننا وأدياننا كلها غريبة عن نظامه وخطته. وقد يكون من الحق أن نقول: إن بينه وبين حياة كحياتنا عداء قويا. ذلك بأن الفضاء في أكثر أجزائه بارد إلى حد تتجمد فيه كل أنواع الحياة .. كما أن أكثر المادة التي في الفضاء تبلغ من الحرارة حدا يجعل الحياة فيه مستحيلة وأن الفضاء تذرعه إشعاعات مختلفة الأنواع ، لا تنفك تصدم ما فيه من أجرام فلكية وقد يكون كثير من هذه الإشعاعات معاديا للحياة أو مبيدا لها.

«هذا هو الكون الذي ألقت بنا فيه الظروف. وإذا لم يكن حقا أن ظهورنا حدث بسبب غلطة وقعت فيه ، فلا أقل من أن يكون نتيجة لما يصح أن يوصف بحق أنه مصادفة!» .

وقد بينا من قبل أن افتراض عداء الكون لنشأة الحياة مع افتراض عدم وجود تقدير وتدبير من قوة مهيمنة ..

ثم وجود الحياة بعد ذلك فعلا .. أمور لا يتصورها عقل عاقل! فضلا على أن يكون عقل عالم! وإلا فكيف أمكن ظهور الحياة في الكون المعادي لها مع افتراض عدم وجود قوة مهيمنة مقدّرة! هل الحياة أقوى من الكون بحيث تظهر رغم أنفه؟! ورغم عدائه لها بطبيعة تكوينه؟! هل هذا الكائن الإنساني مثلا - قبل أن ينشأ - أقوى من هذا الكون الموجود فعلا ، ومن ثم طلع هكذا في الكون ، وأنف الكون راغم؟! إنها تصورات لا تستحق عناء النظر! ولو أن هؤلاء «العلماء» يكتفون بأن يقولوا لنا فقط ما تصل إليه وسائلهم من وصف الموجودات ، دون أن يدخلوا في أمثال هذه التخرصات «الميتافيزيقية» التي لا تستند على أساس ، لأدوا دورهم - ولو ناقصا - في تعريف الناس بالكون من حولهم! ولكنهم يتجاوزون دائرة المعرفة المأمونة إلى تيه الفروض والظنون ، بلا دليل إلا الهوى الإنساني الصغير! ونحن - بحمد اللّه وبهداه - ننظر إلى هذا الكون الهائل فلا نشعر بالذعر والهلع الذي يقول عنه سير جيمس جينز! إنما نشعر بالرهبة والإجلال لبارئ هذا الكون ونشعر بالعظمة والجمال المتجليين في خلقه ونشعر بالطمأنينة والأنس ، لهذا الكون الصديق ، الذي أنشأه اللّه وأنشأنا فيه عن توافق وتنسيق .. وتروعنا ضخامته كما تروعنا دقته ولكننا لا نفزع ولا نجزع ، ولا نشعر بالضياع ، ولا نتوقع الهلاك .. فإن ربنا وربه اللّه ..

ونتعامل معه في يسر ومودة وأنس وثقة ونتوقع أن نجد فيه أرزاقنا وأقواتنا ومعايشنا ومتاعنا .. ونرجو أن نكون من الشاكرين: «وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ. قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ» ..

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام