فهرس الكتاب
الصفحة 110 من 491

وهذا ما تقرره الآيتان التاليتان في السورة تعقيبا نهائيا على تلك الوصايا والفرائض. حيث يسميها اللّه بالحدود: «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ. وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها. وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها ، وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ» ..

تلك الفرائض ، وتلك التشريعات ، التي شرعها اللّه لتقسيم التركات ، وفق علمه وحكمته ، ولتنظيم العلاقات العائلية في الأسرة ، والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع .. «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ» .. حدود اللّه التي أقامها لتكون هي الفيصل في تلك العلاقات ، ولتكون هي الحكم في التوزيع والتقسيم.

ويترتب على طاعة اللّه ورسوله فيها الجنة والخلود والفوز العظيم. كما يترتب على تعديها وعصيان اللّه ورسوله فيها النار والخلود والعذاب المهين ..

لما ذا؟ لماذا تترتب كل هذه النتائج الضخمة على طاعة أو معصية في تشريع جزئي كتشريع الميراث وفي جزئية من هذا التشريع ، وحد من حدوده؟

إن الآثار تبدو أضخم من الفعل .. لمن لا يعرف حقيقة هذا الأمر وأصله العميق ..

إن هذا الأمر تتولى بيانه نصوص كثيرة في السورة ستجيء. وقد أشرنا إليها في مقدمة التعريف بهذه السورة - وهي النصوص التي تبين معنى الدين ، وشرط الإيمان ، وحد الإسلام. ولكن لا بأس أن نستعجل بيان هذا الأمر - على وجه الإجمال - بمناسبة هاتين الآيتين الخطيرتين ، في هذا التعقيب على آيتي المواريث:

إن الأمر في هذا الدين - الإسلام - بل في دين اللّه كله منذ أن أرسل رسله للناس منذ فجر التاريخ .. إن الأمر في دين اللّه كله هو: لمن الألوهية في هذه الأرض؟ ولمن الربوبية على هؤلاء الناس؟

وعلى الإجابة عن هذا السؤال في صيغتيه هاتين ، يترتب كل شيء في أمر هذا الدين. وكل شيء في أمر الناس أجمعين! لمن الألوهية؟ ولمن الربوبية؟

للّه وحده - بلا شريك من خلقه - فهو الإيمان إذن ، وهو الإسلام ، وهو الدين.

لشركاء من خلقه معه ، أو لشركاء من خلقه دونه ، فهو الشرك إذن أو الكفر المبين.

فأما إن تكن الألوهية والربوبية للّه وحده ، فهي الدينونة من العباد للّه وحده. وهي العبودية من الناس للّه وحده. وهي الطاعة من البشر للّه وحده ، وهي الاتباع لمنهج اللّه وحده بلا شريك .. فاللّه وحده هو الذي يختار للناس منهج حياتهم. واللّه وحده هو الذي يسن للناس شرائعهم. واللّه وحده هو الذي يضع للناس موازينهم وقيمهم وأوضاع حياتهم وأنظمة مجتمعاتهم .. وليس لغيره - أفرادا أو جماعات - شيء من هذا الحق إلا بالارتكان إلى شريعة اللّه. لأن هذا الحق هو مقتضى الألوهية والربوبية. ومظهرها البارز المحدد لخصائصها المميزة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام