فقال عمر: رضيت باللّه ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد رسولا. قال: فسري عن النبي - صلى اللّه عليه وسلم - وقال: «والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى - عليه السلام - ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم. إنكم حظي من الأمم ، وأنا حظكم من النبيين» .
وقال الحافظ أبو يعلي: حدثنا حماد عن الشعبي عن جابر. قال: قال رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - «لا تسئلوا أهل الكتاب عن شيء. فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا. وإنكم إما أن تصدقوا بباطل ، وإما أن تكذبوا بحق. وإنه واللّه لو كان موسى حيا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني» .. وفي بعض الأحاديث: «لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي» ..
هؤلاء هم أهل الكتاب. وهذا هو هدى رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - في التلقي عنهم في أي أمر يختص بالعقيدة والتصور ، أو بالشريعة والمنهج .. ولا ضير - وفق روح الإسلام وتوجيهه - من الانتفاع بجهود البشر كلهم في غير هذا من العلوم البحتة ، علما وتطبيقا .. مع ربطها بالمنهج الإيماني: من ناحية الشعور بها ، وكونها من تسخير اللّه للإنسان. ومن ناحية توجيهها والانتفاع بها في خير البشرية ، وتوفير الأمن لها والرخاء.
وشكر اللّه على نعمة المعرفة ونعمة تسخير القوى والطاقات الكونية. شكره بالعبادة ، وشكره بتوجيه هذه المعرفة وهذا التسخير لخير البشرية ..
فأما التلقي عنهم في التصور الإيماني ، وفي تفسير الوجود ، وغاية الوجود الإنساني. وفي منهج الحياة وأنظمتها وشرائعها ، وفي منهج الأخلاق والسلوك أيضا .. أما التلقي في شيء من هذا كله ، فهو الذي تغير وجه رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - لأيسر شيء منه. وهو الذي حذر اللّه الأمة المسلمة عاقبته. وهي الكفر الصراح ..
هذا هو توجيه اللّه - سبحانه - وهذا هو هدى رسوله - صلى اللّه عليه وسلم - فأما نحن الذين نزعم أننا مسلمون ، فأرانا نتلقى في صميم فهمنا لقرآننا وحديث نبينا - صلى اللّه عليه وسلم - عن المستشرقين وتلامذة المستشرقين! وأرانا نتلقى فلسفتنا وتصوراتنا للوجود والحياة من هؤلاء وهؤلاء ، ومن الفلاسفة والمفكرين:
الإغريق والرومان والأوروبيين والأمريكان! وأرانا نتلقى نظام حياتنا وشرائعنا وقوانيننا من تلك المصادر المدخولة! وأرانا نتلقى قواعد سلوكنا وآدابنا وأخلاقنا من ذلك المستنقع الآسن ، الذي انتهت إليه الحضارة المادية المجردة من روح الدين .. أي دين .. ثم نزعم - واللّه - أننا مسلمون! وهو زعم إثمه أثقل من إثم الكفر الصريح. فنحن بهذا نشهد على الإسلام بالفشل والمسخ. حيث لا يشهد عليه هذه الشهادة الآثمة من لا يزعمون - مثلنا - أنهم مسلمون! إن الإسلام منهج. وهو منهج ذو خصائص متميزة: من