[11] ولأنه انما يتحقق [1] بالمباحثة وادارة الكلام من الجانبين، وغيره قد يتحقق بالتأمل، ومطالعة الكتب، ولأنه أكثر العلوم خلافا ونزاعا فيشتد افتقاره الى الكلام مع المخالفين والرد عليهم، ولأنه لقوة أدلته صار كأنه هو الكلام دون ما عداه من العلوم. كما يقال للأقوى من الكلامين هذا هو الكلام، ولأنه لابتنائه على الأدلة القطعية المؤيد أكثرها بالأدلة السمعية أشد العلوم تأثيرا فى القلب وتغلغلا فيه، فسمى بالكلام المشتق من الكلم، وهو الجرح. وهذا هو كلام القدماء.
ومعظم خلافياته مع الفرق الاسلامية. خصوصا المعتزلة لأنهم أول فرقة أسسوا قواعد الخلاف لما ورد به ظاهر السنة، وجرى عليه جماعة [2] من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فى باب العقائد. وذلك أن رئيسهم «واصل بن عطاء» اعتزل [3] مجلس «الحسن البصرى» رحمه الله ليقرر أن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر، ويثبت المنزلة بين المنزلتين. فقال الحسن: قد اعتزل عنا، فسموا المعتزلة. وهم سموا أنفسهم «أصحاب العدل والتوحيد» لقولهم بوجوب ثواب المطيع وعقاب العاصى على الله [4] ، ونفى الصفات القديمة عنه.
ثم انهم توغلوا فى علم الكلام، وتشبثوا بأذيال الفلاسفة فى كثير من الأصول، وشاع مذهبهم فيما بين الناس، الى أن قال الشيخ «أبو الحسن الأشعرى» لأستاذه «أبى على الجبائى» :
ما تقول فى ثلاثة اخوة مات أحدهم مطيعا، والآخر عاصيا، والثالث صغيرا؟ فقال [5] : الأول يثاب بالجنة. والثانى يعاقب بالنار. والثالث لا يثاب ولا يعاقب. قال الأشعرى: فان قال الثالث: يا رب لم أمتنى صغيرا، وما أبقيتنى الى أن أكبر فأؤمن بك وأطيعك فأدخل الجنة؟
(ماذا يقول الرب تعالى؟) [6] فقال: يقول الرب انى كنت أعلم [7] أنك ان؟؟؟
كبرت لعصيت فدخلت النار، فكان الأصلح لك أن تموت صغيرا.
قال الأشعرى: فان قال الثانى: يا رب لم لم تمتنى صغيرا لئلا
(1) يتحقق بالتكلم: خ.
(2) جماعة اصحابة: ط.
(3) عن مجلس: خ.
(4) الله تعالى: خ.
(5) ان الاول: خ.
(6) ما بين القوسين: ط.
(7) أعلم منك: خ.