فهرس الكتاب
الصفحة 79 من 112

[82] بقى هاهنا بحث آخر، وهو أن بعض القدرية ذهب الى أن الايمان هو المعرفة. وأطبق علماؤنا على فساده، لأن أهل الكتاب كانوا يعرفون نبوة محمد صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، مع القطع بكفرهم، لعدم التصديق، ولأن من الكفار من كان يعرف الحق يقينا، وانما كان ينكر عنادا واستكبارا. قال الله تعالى:

«وجحدُوا بِها، واسْتيْقنتْها أنْفُسُهُمْ» [1] فلا بد من بيان الفرق بين معرفة الأحكام واستيقانها، وبين التصديق بها واعتقادها، ليصح كون الثانى ايمانا دون الأول. والمذكور فى كلام بعض المشايخ: أن التصديق عبارة عن ربط القلب، على ما علم، من اخبار المخبر، وهو أمر كسبى يثبت باختيار المصدق ولذا يثاب عليه ويجعل رأس العبادات بخلاف المعرفة، فانها ربما تحصل بلا كسب، كمن وقع بصره على جسم، فحصل له معرفة أنه جدار أو حجر. وهذا ما ذكره بعض المحققين: من أن التصديق هو أن تنسب باختيارك الصدق الى المخبر. حتى لو وقع ذلك فى القلب، من غير اختيار، لم يكن تصديقا، وان كان معرفة.

وهذا مشكل، لأن التصديق من أقسام العلم، وهو من الكيفيات النفسانية دون الأفعال الاختيارية لأنا اذا تصورنا النسبة بين الشيئين، وشككنا فى أنها بالاثبات أو النفى، ثم أقيم البرهان على ثبوتها. فالذى يحصل لنا هو الاذعان والقبول لتلك النسبة.

وهو دون معنى التصديق والحكم. والاثبات والايقاع.

نعم تحصيل تلك الكيفية يكون بالاختيار فى مباشرة الأسباب، وصرف النظر، ورفع الموانع ونحو ذلك. وبهذا الاعتبار يقع التكليف بالايمان. وكان هذا هو المراد بكونه كسبيا اختياريا، ولا تكفى المعرفة (فى حصول التصديق) لأنها قد تكون بدون ذلك.

نعم يلزم أن تكون المعرفة اليقينية المكتسبة بالاختيار، تصديقا.

ولا بأس بذلك. لأنه حينئذ يحصل المعنى الّذي يعبر عنه بالفارسية بگرويدن. وليس الايمان والتصديق سوى ذلك. وحصوله للكفار

(1) النمل 14.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام