لقد سبق أن قلت:إن هارون الرشيد الخليفة المسلم بعث لشارلمان ملك فرنسا بهدية هي ساعة دقاقة بالماء؛ تم تصميمها بدقة عالية تفوق طاقة خيال الناس في فرنسا،ولحظة أن شاهدوها في فرنسا ظنوا أن الشياطين هي التي تحركها؛ لأن التقدم العلمي والتطبيقي في بغداد في ذلك الوقت فاق كل التصور الأوروبي حيث كانوا يعيشون في تخلف علمي شديد.
لكن المسألة انعكست في زماننا هذا وصرنا نعاني من تخلف في الأخذ بأسباب الله للاستفادة بالعلم،فحين جاء"الراديو"وجاء"التليفزيون"إلى بعض البلاد الإسلامية،وجدنا من يقول عن الراديو:إن بداخله شيطاناً يتكلم ويلوّن ويغير من صوته. ... ... ...
ولم يغير أصحاب هذا الرأي اندهاشهم ورفضهم لوجدوا محطة الإذاعة وأجهزة الاستقبال في بلادهم إلا بعد أن قلنا لهم:حرّكوا مؤشر الراديو وستجدونه يذيع القرآن الكريم،وحين فعلوا ذلك استمعوا إلى صوت الشيخ محمد رفعت،وكان يقرأ في سورة مريم،وقلنا لأصحاب هذا الرأي:إن الشيطان لا يقرأ القرآن،بل إن الإذاعة وأجهزة الاستقبال هي اختراعات علمية توصل إليها من أخذوا بأسباب الله في العلم التطبيقي.
وحين جاء اختراع"الميكروفون"وطالب الكثير بوضعه في المساجد وقت صلاة الجمعة،وجدنا البعض يرفض دخول الميكروفون إلى المسجد،متجاهلاً أن هناك مساجد كبيرة يحتاج إسماع الناس فيها لخطبة الجمعة وجود أكثر من"ميكروفون".وقلت لواحد من هؤلاء:ليصلح الله حالك وبالك،لماذا ترتدي نظارة طبية وتضعها على عينيك؟ أجابني:لأن نظري ضعيف والنظارة تكبر لي الكتابة.فقلت:وهكذا"الميكروفون"يكبر الصوت ليسمعه من يجلس بعيداً عن المنبر والإمام،أثناء صلاة الجماعة وصلاة الجمعة.
فإذا كان بعض من الدول الإسلامية قد وصل بها الحال إلى هذا الحد من العجز في تقبل العلم،فهذا تنبيه لنا لأن نعيد الأخذ بأسباب الله في الكون،ولنطور العلوم،ونخدم بها منهج الله،بدلاً من أن نظل متخلفين رغم أن منهج الله يحضنا على الأخذ بالأسباب الموجودة في الكون،وكلنا يعلم أن كون الله في يده والنواميس في يده،يسخرها سبحانه وتعالى لمن يأخذ بالأٍباب.