فهرس الكتاب
الصفحة 68 من 240

8-أنها تقوم على التسليم لله ـ تعالى ـ ولرسوله ـ - صلى الله عليه وسلم - :

وذلك لأنها غيب،والغيب يقوم على التسليم ،فالتسليم بالغيب من أعظم صفات المؤمنين التي مدحهم الله بها،كما في قوله ـ تعالى ـ: ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) [البقرة:2،3] .

ذلك أن العقول لا تدرك الغيب،ولا تستقل بمعرفة الشرائع؛لعجزها وقصورها؛فكما أن سمع الإنسان قاصر،وبصره كليل،وقوتَه محدودة ـ فكذلك عقله،فَتَعَيَّن الإيمان بالغيب والتسليم لله ـ عز وجل ـ.

فلا تقوم حواجز الحس دون الاتصال بين أرواحهم والقوة الكبرى التي صدرت عنها،وصدر عنها هذا الوجود ولا تقوم حواجز الحس بين أرواحهم وسائر ما وراء الحس من حقائق وقوى وطاقات وخلائق وموجودات.

والإيمان بالغيب هو العتبة التي يجتازها الإنسان،فيتجاوز مرتبة الحيوان الذي لا يدرك إلا ما تدركه حواسه،إلى مرتبة الإنسان الذي يدرك أن الوجود أكبر وأشمل من ذلك الحيز الصغير المحدد الذي تدركه الحواس - أو الأجهزة التي هي امتداد للحواس - وهي نقلة بعيدة الأثر في تصور الإنسان لحقيقة الوجود كله ولحقيقة وجوده الذاتي،ولحقيقة القوى المنطلقة في كيان هذا الوجود،وفي إحساسه بالكون وما وراء الكون من قدرة وتدبير.كما أنها بعيدة الأثر في حياته على الأرض فليس من يعيش في الحيز الصغير الذي تدركه حواسه كمن يعيش في الكون الكبير الذي تدركه بديهته وبصيرته ويتلقى أصداءه وإيحاءاته في أطوائه وأعماقه،ويشعر أن مداه أوسع في الزمان والمكان من كل ما يدركه وعيه في عمره القصير المحدود.وأن وراء الكون ظاهره وخافيه،حقيقة أكبر من الكون،هي التي صدر عنها،واستمد من وجودها وجوده..

حقيقة الذات الإلهية التي لا تدركها الأبصار ولا تحيط بها العقول.

وعندئذ تصان الطاقة الفكرية المحدودة المجال عن التبدد والتمزق والانشغال بما لم تخلق له،وما لم توهب القدرة للإحاطة به،وما لا يجدي شيئا أن تنفق فيه.إن الطاقة الفكرية التي وهبها الإنسان،وهبها ليقوم بالخلافة في هذه الأرض،فهي موكلة بهذه الحياة الواقعة

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام