على قلوب أصحاب الدعوة إلى الله،والذي ينبغي أن يكون من الوضوح بحيث لا تختلط به أوشاب التصورات الجاهلية الدخيلة،ولا تتسرب إليه صور الشرك الخفية:الشرك بالأرض،والشرك بالجنس،والشرك بالقوم،والشرك بالنسب،والشرك بالمنافع الصغيرة القريبة،تلك التي يجمعها الله سبحانه في آية واحدة فيضعها في كفة،ويضع الإيمان ومقتضياته في كفة أخرى،ويدع للناس الخيار: { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } ... [ التوبة:24 ]
كذلك لا ينبغي أن تقوم في نفوس أصحاب الدعوة إلى الله تلك الشكوك السطحية في حقيقة الجاهلية وحقيقة الإسلام،وفي صفة دار الحرب ودار الإسلام..فمن هنا يؤتى الكثير منهم في تصوراته ويقينه..إنه لا إسلام في أرض لا يحكمها الإسلام،ولا تقوم فيها شريعته،ولا دار إسلام إلا التي يهيمن عليها الإسلام بمنهجه وقانونه،وليس وراء الإيمان إلا الكفر،وليس دون الإسلام إلا الجاهلية..وليس بعد الحق إلا الضلال.. [1]
إن الإسلام نظام للإنسان.نظام واقعي إيجابي.يتوافق مع فطرة الإنسان وتكوينه،ويتوافق مع واقعه وضروراته،ويتوافق مع ملابسات حياته المتغيرة في شتى البقاع وشتى الأزمان،وشتى الأحوال.
إنه نظام واقعي إيجابي،يلتقط الإنسان من واقعه الذي هو فيه،ومن موقفه الذي هو عليه،ليرتفع به في المرتقى الصاعد،إلى القمة السامقة.في غير إنكار لفطرته أو تنكر وفي غير إغفال لواقعه أو إهمال وفي غير عنف في دفعه أو اعتساف! إنه نظام لا يقوم على الحذلقة الجوفاء ولا على التظرف المائع ولا على «المثالية» الفارغة ولا على الأمنيات الحالمة،التي تصطدم بفطرة الإنسان وواقعه وملابسات حياته،ثم تتبخر في الهواء! وهو نظام يرعى خلق الإنسان،ونظافة المجتمع،فلا يسمح بإنشاء واقع مادي،من شأنه انحلال الخلق،وتلويث
(1) - معالم في الطريق بتحقيقي - (1 / 127) -جِنْسِيّة المُسْلِم وَعَقِيدَتُه