فهرس الكتاب
الصفحة 50 من 240

وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الذِي وَهَبَ النَّاسَ القُدْرَةَ عَلَى السَّيْرِ فِي البَرِّ مُشَاةً وَرُكْبَاناً،وَفِي البَحْرِ بِمَا سَخَّرَ لَهُمْ مِنَ السُّفُنِ وَالمَرَاكِبِ ( الفُلْكِ ) ،وَهُوَ الذِي يَحْفَظُهُمْ وَيَكْلَؤُهُمْ بِعِنَايَتِهِ وَرِعَايَتِهِ،حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي السَّفِينَةِ،وَجَرَتْ بِهِمْ إِلَى غَايَتِهَا بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ مُوَاتِيَةٍ،وَفَرِحُوا بِسُرْعَةِ سَيْرِهَا رَافِلِينَ سُعَدَاءَ،فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَتِ السَّفِينَةَ رِيحٌ شَدِيدَةٌ عَاصِفَةٌ،وَأَحَاطَ بِهِمُ المَوْجُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ،فَظَنُّوا أَنَّهُمْ هَالِكُونَ،فَأَخَذُوا يَدْعُونَ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لاَ يُشْرِكُونَ بِهِ شَيْئاً،وَلاَ يَدْعُونَ مَعَهُ صَنَماً وَلاَ وَثَناً،وَيُفْرِدُونَهُ بِالدُّعَاءِ وَالابْتِهَالِ،وَيَقُولُونَ يَا رَبِّ إِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنَ الحَالِ التِي نَحْنُ فِيها لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ،وَلَنَكُونَنَّ مِنَ المُخْلِصِينَ فِي عِبَادَتِكَ،وَلَنْ نُشْرِكَ بِكَ أَحَداً،كَمَا أَفْرَدْنَاكَ بِالدُّعَاءِ

فَلَمَّا أَنْجَاهُمُ اللهُ تَعَالَى مِمَّا نَزَلَ بِهِمْ،مِنَ الشِّدَّةِ وَالكُرْبَةِ،نَقَضُوا عَهْدَهُمْ،وَعَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الإِفْسَادِ فِي الأَرْضِ،وَمُبَادَرَةِ النَّاسِ بِالظُّلْمِ وَالبَغْيِ وَالاعْتِدَاءِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

وَيُخَاطِبُ تَعَالَى هَؤُلاَءِ المُفْسِدِينَ الطُّغَاةَ وَيَقُولُ لَهُمْ:يَا أَيُّهَا الغَافِلُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ أَمَا كَفَاكُمْ بَغْياً عَلَى المُسْتَضْعَفِينَ مِنْكُمْ اغْتِرَاراً بِقُوَّتِكُمْ؟ إِنَّكُمْ فِي الحَقِيقَةِ إِنَّمَا تَبْغُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ،لأنَّ عَاقِبَةَ بَغْيِكُمْ وَوَبَالَهُ إِنَّمَا يَعُودَانِ عَلَيْكُمْ،وَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تَتَمَتَّعُونَ بِبَغِيِكُمْ مُدَّةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا الزَائِلَةِ،وَهِيَ تَنْقَضِي سَرِيعاً،وَالعِقَابُ عَلَى هَذا البَغْيِ بَاقٍ ثُمَّ تَصِيرُونَ إِلَى اللهِ فَيُخْبِرُكُمْ بِجَمِيعِ أَعْمَالِكُمْ،وَيُجَازِيكُمْ عَلَيْهَا أَوْفَى الجَزَاءِ.فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمِدِ اللهَ،وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ. [1]

بل حتى الطفلُ الصغيرُ،فإنه لو تُركَ على حالهِ دون أنْ يؤثرَ عليه والداهُ أو البيئةُ من حولِه لنشأَ معتقداً بالله تعالى ربًّا وإلهاً لا يعبدُ سواهُ. فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ قَالَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - « كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ،فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ،كَمَثَلِ الْبَهِيمَةِ تُنْتَجُ الْبَهِيمَةَ،هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ » (أخرجه الشيخان) [2] .

أما الأديان الأخرى من يهودية ونصرانية ومجوسية فهي من تلقين الآباء والأمهات.

5-عقيدةٌ توقيفيةٌ مبرهَنةٌ:

(1) - أيسر التفاسير لأسعد حومد - (1 / 1387)

(2) - البخاري برقم ( 1385) ومسلم برقم (6926 ) = جدعاء: مقطوعة الأطراف =الجمعاء: مكتملة الأعضاء

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام